كلّ مكان لا يكون للمرء فيه مكانة هو مكان لا يعوّل عليه. هذا ما عناه ابن عربيّ، وما عنيته ليس ببعيد.أتحدّث عن مكانة مرموقة تليق بنساء من بلادي يخضن معركتهنّ ومعارك الأجيال القادمة ضدّ الفساد.
ولو طلب الشيخ الأكبر التأنيث مطلقا ما كان عندي مَلُوما ولا مجحفا ولا ظلوما. ألم تتأكّد يوما بعد يوم ورغم التضييق والإقصاء والازدراء أدوار النساء في البناء والتنمية والإصلاح والتدبير؟ ربّما يكون حديثنا بهذه المناسبة الوطنيّة التي تحتفي بالمرأة تذكيرا بما يقبع، أكثر الأوقات، في زوايا النسيان.
ما قد لا يعلمه الجمهور العريض – كما بيّنت ذلك دراسة حديثة للبنك الدولي - أنّ مزيد مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار والمراكز القياديّة يؤدّي حتما إلى انخفاض معدّل الفساد بنحو10 في المائة، وإلى تراجع حجم الرشاوى والمحسوبيّات وقبول الهدايا بما يخالف القانون.
ولكي لا تبدو مثل هذه الفكرة مفتقدة إلى التفسير والتنسيب والتدقيق، كنّا، في الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد، عقدنا أخيرا وبتنظيم مركز الدراسات والبحوث والتكوين والمعلومات حول النساء ومكافحة الفساد في تونس منتدى طرح إشكاليّة الخصوصية النسويّة في مكافحة الفساد تنوّعت فيها المقاربات الجندرية والسوسيوثقافيّة والقانونية والتشريعية وغيرها..
وبناء على الأرقام والمؤشّرات والمؤيّدات حصلت لدى الهيئة قناعة بأنّ النساء أكثر فاعليّة في مكافحة الفساد. ومن أجل ذلك، خلُص المنتدى إلى تأسيس شبكة «نساء تونس ضدّ الفساد».
أذكّر بهذه المعطيات بمناسبة حلول الذكرى 62 لصدور مجلّة الأحوال الشخصيّة يوم 13 أوت 1956، اليوم الذي صار عيدا للمرأة التونسيّة. وفي هذا المقام، أسجّل ما يلي على سبيل البوح والاعتراف:
• أحيّي جهود نساء بلادي من أجل تونس متمدّنة متقدّمة، من أجل تونس الكرامة والحرّية، تونس العلم والمعرفة والجمال..
• أشكر نساء بلادي اللّواتي يعلّمننا باستمرار إدمان حبّ هذا الوطن، ويحملننا على الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى وطن جميل يكره القبح، والغباء، والرداءة والجهل والتخلّف. هذا الوطن هو وطن النساء!
• أثمّن جهودكنّ - يا نساء تونس - في مقاومة الفساد. وقد بان بالحجّة والدليل أنّكن الأكثر تّعففا منّا نحن معشر الرجال، وأنّ نسبة النساء اللّواتي تعلّقت بهنّ شبهاتُ فساد لدى القضاء أو لدى الهيئة أقلّ بكثير من النسبة ذاتها لدى الرجال .
• أنحني تقديرا للأمّهات منكنّ اللّواتي يحرصن على تربية أبنائهنّ على قيم النزاهة والاستقامة والتعفّف ونبذ الرشوة والفساد ..
• أقدّر انخراط نساء بلادي الفعّال في المجتمع المدنيّ، وما هنّ بصدد تقديمه في المجال من التزام وبذل وجهد محمود.
• أنوّه بحرصكنّ على الإحاطة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد سواء منكنّ العاملات بالفكر والساعد أو الأعضاء بمجلسها أو الناشطات بمركز الدراسات والبحوث والتكوين والمعلومات حول مكافحة الفساد أو الناشطات في قسم الاتّصال والإعلام بها.
• أتشرّف بأنّي على رأس هيئة وطنية لمكافحة الفساد النساءُ فيها هنّ الأغلبيّة باعتبار أنّ ما يفوق 65 % من عملتها وإطاراتها هم من النساء.
على باب عام جديد من مسيرة مظفّرة لنساء بلادي، وهنّ يعانقن أشواق الحياة، ويراكمن المكاسب نحو دولة المواطنين، وفي ظلّ مجتمع الحرّيات والعدالة والمساواة، أهنّئ نفسي والتونسيّين لأنّ مسؤوليّاتنا في مكافحة الفساد وإن كانت شاقّة ثقيلة، فإنّ الطريق إليها تصير سالكة ذلولا في نهاية المطاف بتزايد الوافدين وتكاثر الخائضين معزّزين مدعّمين بالصادقات والصادقين من المواطنات والمواطنين.
سبيلنا موحش، ولكنّه لا يخلو من رفقة يعوّل عليها، وأنس يبدّد وحشة الطريق. صنوف شتّى من الإكراهات والضغوطات والتحدّيات والرهانات، وضروب من الأذى والقاذورات ألقى بها الكثير من الرجال والقليل من النساء!
إنْ قلنا النزاهة والاستقامة والأمانة والمسؤوليّة أو قلنا العدالة والحوكمة ونظافة اليد قلنا وما خشينا أن تأخذنا الحماسة: في التأنيث بعض الحلّ!
عودا على بدء تصدّر هذا النص، أمضي أنا شوقي الطبيب الصحافي والحقوقيّ والمحامي والعميد ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لأقول: أنا رجل يتمنّى أنْ يكون له عقل امرأة!