و الاعتداء على الممتلكات العامّة والخاصّة، في ظلّ وضع اقتصاديّ واجتماعيّ مأزوم ينذر بمزيد التوتّر .إلاّ أنّ اللافت للنّظر في التعاطي السياسيّ مع ما يجري هو جنوح كلّ طرف إلى اتهام الطرف الآخر عوض الاحتكام إلى العقل ومحاولة إطفاء الحريق،و الوقوف صفّا واحدا لإدانة ما يجري ،والعمل سويّا على إقامة الدولة القويّة العادلة .. الدولة الديمقراطيّة التي تضمن الحقوق والحريات والصارمة في تطبيق القانون
وما انكشف عن المشهد الكارثي الذي تسير نحوه البلاد بسرعة جنونيّة،أنّ كلَّ طرف-حُكْمًا ومعارضةً- يريد أن يستغلّ هذا الظرف ليكسب مواقع جديدة تؤهّله للفوز بثقة الناخبين في الاستحقاق القادم .حتّى لكأنّ سياسيي هذا البلد يستثمرون-بكلّ حماقة وغباء- في الرياح ليستيقظوا بعد فوات الأوان على "العاصفة" التي ستأتي على الجميع بعد انهيار الوطن. .
لقد بات أكيدا أنّ شرَّ ما ابْتُلِيَتْ به تونس قديما وحديثا مشاتل من السياسيين-يمينا ويسارا في غياب وسط متعقّل- يمارسون الهرطقة والكذب والخداع والتلوّن والبحث عن المصالح الشخصية... ذلك أنّ أغلبهم قد أنعمت عليه الصدفة التاريخيّة بحماية أمنيّة شخصية وبمال وفير ينهلون بواسطته من أطايب الحياة.. فكيف سيجد هؤلاء وقتا يضيّعونه تفكيرا في مَنْ بات جائعا في البرد، أو الذي عجز مرتبه عن توفير قوت عياله؟؟؟
هؤلاء زعماء من ورق ..يدَّعي بعضهم الدفاع المستميت عن الفقراء والمسحوقين لكن عندما يعنّ لهم السفر إلى الخارج يستقلّون الدرجة الأولى في الطائرة حرصا منهم على الوصول بسرعة للدفاع عن مصالح العمال والمفقَّرين !!!....بعضهم يبيع الكلام المحنّط في العلن ويأتي نقيضه في السر... وبعضهم الآخر أكل طويلا من كل الموائد ، وغنم مالا كثيرا جرّاء نضاله السياسي أو الحقوقيّ...ومن الكذّابين نائب يثرثر طويلا عن الفقراء لكنّه بكلّ وقاحة يرسل ابنته للدراسة في جامعة أمريكيّة
هؤلاء هم السوس الذي يهدّد بقايا صوف هذه البلاد..والسمّ الزعاف الذي أُجْبِرَالمفقّرون على تجرّعه برؤية وجوههم الكالحة التي تراها الحامل فتسقط ما في أحشائها... الشّرر المتطاير من أعينهم الحاقدة يكاد يخرج من الشاشة ليرجم الناس وينهال على رؤوسهم ضربا وركلا... بعضهم يتربّص بالآخر كالضواري الجائعة ثم بكلّ وقاحة ،يبتسمون نفاقا وخداعا أمام الفضائيات ....
يزعم زعماء النكد والغصة أنّ تحمّلهم مشقّة ركوب السيارات الفارهة والطائرات عنوان حبّ وفداء لهذا الوطن... ويدّعون أنّهم يتنافسون على حبّه وفق برامج مختلفة لكنّ الحقيقة هي أنّ الجامع بينهم هو التعاون على سرقة أحلام هذا الشعب، ونهب خيراته وبث اليأس في شباب ظن أنه ثار ولم يَدْرِ أنَّ الكهولَ والشيوخَ قد استولوا على أحلامه...أعجبتهم اللعبة فأطالوا فصولها بالعنتريات الفارغة التي ما قتلت ذبابة،وبالوعود الرنانة التي لا يتورّعون عن تقديمها....
شيوخَ السياسة وديناصوراتها الذين يتحاورون في تونس اليوم بلا فائدة، هم أحوجُ الناس إلى "فياغرا" الحكمة ومنشطات الذاكرة التي يمكن أن تسعف خريف أعمارهم...عاشوا زمانهم نكدا ومحنا باختيارهم، ومازال الجشع يقودهم إلى أن يأخذوا من عُمر هذا الشعب المنهوب بالأميّة والجهل والبساطة..... إنّهم بغبائهم المستشري يواصلون طَهْيَ الحَصَى لشعب بائس حزين حمّالِ حطب يدفئ أجسادهم، ويترك السواد الأعظم عرضة للبرد والجوع...
لقد فات كثير من البسطاء أنّ هؤلاء الذين يتحاورون اليوم على مستقبل تونس قد ضمنوا لأبنائهم أن يدرسوا في أرقى الجامعات الغربيّة، وأن يسلموا من نائبات الدهر. فلا حاضر البسطاء الذين يمثلون الأغلبية الصامتة يشغلهم ولا مستقبل هذا الشباب الذي ثار يعنيهم... إذ لا همّ لهم إلا أن يضمنوا حياة مترفة لأسرهم ولعائلاتهم...ولا يعنيهم من هذا الشعب إلا أن يذهب بغباء إلى صندوق مِنْ وَهْمٍ ليلطّخ إصبعه في حِبْرِ المكر والخداع، ويعود إلى منزله سالما آمنا في انتظار خمس سنوات أخرى يدعى فيه هذا المسمى "شعب" إلى مسرحية هزلية جديدة ...
أليس الحل في تونس اليوم أن تختفي كلّ هذه الوجوه وتلزم بيوتها...فبن علي الديكتاتور الذي تحرّك الناس لإسقاطه، بقي في الحكم 22 سنة لكنّ الشعب ملّ رؤيته ... وفي المقابل نجد مِنْ الزعماء الذين فتحت لهم خزائن إرث"بن علي" مَنْ يقود حزبه أو حركته منذ أكثر من 30سنة دون أن ينظر إلى نفسه في المرآة ليكتشف أنّه في خانة مَنْ ينهى عن خلق ويأتي مثله
!!! فكيف يلعن هؤلاء الزعماء المتورمون كذبا ونفاقا، الحكم مدى الحياة ويؤبدون سلطانهم على أحزابهم التي حوّلوها إلى أصل تجاريّ!!!؟؟؟
لقد ترك هؤلاء الزعماء في هذا الشعب المسكين ما لو اتبعه لفقد بوصلة الحاضر والمستقبل:النفاق والتنمّر والتلوّن للبقاء في الصورة أطول وقت ممكن....
قد لا نحتاج إلى تأكيد أنّ ما جرى في تونس في جانفي2011 كان -على عكس ما يُروّج له سدنةُ معبد النضال المزيّف-تحت الأضواء الأمريكية الكاشفة...لكنّ ما يجري على الأرض يؤكّد أن أغلب الأحزاب تستثمر في الرياح غير مدركة-أو لعلّها مدركة وتصرّ إلحاحا- أنّها في النهاية لن تجني إلّا تسونامي العواصف والخيبات .