الحركات الاجتماعية الجديدة و الانتخابات البلدية

بقلم : ماهر حنين
حدد موعد 6 ماي القادم اي بعد اقل من عشرين اسبوعا كموعد لأول إنتخابات محلية حرة ونزيهة في تاريخ تونس المعاصرة وهو إستحقاق يعده الجميع

الأهم في مسار بناء المؤسسات الديمقراطية للجمهورية الثانية وتعود الحاجة إلى بناء مؤسسات الديمقراطية المحلية إلى ما تمثله من أمل فعلى عند مواطني الجهات في تدشين مرحلة جديدة من التشاركية لا توفرها المؤسسات الديمقراطية المركزية و ما تفتحه من أفق ممكن للتنمية المحلية إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و هي كذلك إستحقاق مهم من جهة التوازنات السياسية الكبري في حرب المواقع المستمرة بين مشروع الدولة المدنية والديمقراطية من جهة و مشروع الدولة التسلطية وكذلك بين مشروع النهوض الإقتصادي والإجتماعي والمحتمين بالفساد والمتمسكين بمصالحهم الخاصة على حساب الشعب والوطن وهم يشكلون اليوم خطرا فعلىا على الإنتقال الديمقراطي عموما و سيسعون إلى خنق كل التعبيرات الديمقراطية المحلية.

لم تعد فضائل الديمقراطية اللامركزية و الحوكمة المحلية محل تجاذب بين نظريات علم الإجتماع السياسي فمن توكفيل وكتابه حول الديمقراطية في أمريكا وصولا إلى مناضلي العولمة البديلة بداية من بورتو ألغري إلى حدود بوداموس الإسباني تعد ديمقراطية القرب محكا فعلىا للتنافس الديقمراطي و الفعل المواطني و التحرر السياسي و الإنعتاق الإجتماعي.

عودة إلى القادح المحلي للثورة التونسية
لم تكن ثورة تونس ثورة مدن لا بالمعنى النخبوي الليبرالي ولا بالمعنى العمالي بل كانت بإمتيازفي منطلقها ثورة الهوامش والتي تعني الجهات الداخلية و أحزمة الفقر في المدن التي أدار المنوال التنموي لدولة الإستقلال ظهره لها تدريجيا إلى حد الوجع و التنكر في السنوات الأخيرة لحكم بن على
وبقدر ما تعد مطالب الحرية و التشغيل والكرامة وصد الفساد هي المطالب المشكلة للافق الكلي للثورة فإن رفض السلطة المركزية للدولة و الحزب الأوحد وللزعيم الواحد شكل بدوره محركا قويا للتوسع المجالي و الشعبي للثورة مما يجعلنا نقارب هذا الإستحقاق الإنتخابي بإعتباره الأقرب إلى كيمياء ثورة الكرامة وسردياتها الأولي.

سيشكل قطعا هذا الموعد محطة وطنية في مسار الإنتقال الديمقراطي العسير تهم كل الجهات وكل البلديات وهي لعلها محطة مفصلية بالنسبة للجهات الأكثر فقرا وتهميشا و إقصاء والتي عانت من هيمنة المركز طويلا و لا تزال خاصة بعد 2014 تشهد تحركات إحتجاجية متفرقة وبنسق متفاوت للمطالبة بأوكد المرافق العمومية و مقتضيات الحياة وهي التي سيمثل لها الإستحقاق القادم لا فقط فرصة الإنتخاب الحر والنزيه و المباشر إختبارا لإقتدارها على التديبر الحر لشؤونها المحلية بإتجاه التنمية العادلة وما حدد افقه الباب السابع من الدستور و يفترض إن يجسده قانون الجماعات المحلية في الأسابيع القادمة إن نجحت في فرض ذلك قوى المجتمع المدني والقوى السياسية الديمقراطية المؤمنة بحاجة النظام السياسي التونسي و التنظيم الترابي لسلطة الدولة إلى جرعات حيوية كا فية من اللامركزية تفتح أفق المشاركة ولا تهدد وحدة الدولة.

تعيد الإنتخابات البلدية إذن مسار البناء الديمقراطي إلى المجتمع السياسي التحتي اي المجتمع المحلي في خصوصياته وتجعل من جدلية الفعل السياسي ما بعد الثورة لا فقط عملية هدم للقديم بدءا من قمة هرم الهيمنة و التسلط و الحيف بل عملية هدم للقديم وبناء للجديد من قاعدة العيش المشترك الأولي ومجال الإختبار الديمقراطي الأصغر إي البلدية.
دوافع عديدة و تحولات وطنية و إقليمية وحقائق سياسية و موازين قوى إنتخابية وأخطاء تاريخية إقترفناها نحن معشر الديمقراطيين كلفتنا باهظا ومن المهم أن نقبل على الموعد القادم منتبهين ومتيقظين.

موقع ودور الحركات الإجتماعية
حقيقتان جديدتان أكدتهما سنوات ما بعد 2014 الأولى فشل نداء تونس تحت قيادة نجل الرئيس في التحول إلى حزب إصلاحي ديمقراطي يحقق التوازن مع حركة النهضة وهوفشل تنظيمي وأخلاقي و فكري بعد تفكك الحزب و توافقه مع حركة النهضة وتخليه عن دوره في المجتمع حتى كقوة علمانية ناشطة في مواجهة المد المحافظ بل إهتراء مصداقيته وعجزه عن ذلك جوهريا بعد أن تأكد دوره الأول كمنصة لجني المنافع.

الحقيقة الثانية وهي أن التوافق البرلماني والحكومي والود بين الحركتين لم يضع حدا لمقاومة إجتماعية و مدنية ناهضة رغم ما يلحقها من وصم وتعتيم ولا لتعبيرات تقافية و إحتجاجية جديدة أفقية التشكل شبابية الزخم عنيدة وثابتة لا تزال تؤمن بإستحقاقات الحرية والعدالة و التنمية والكرامة.

هذه التعيبرات التي يمكن أن نعدها التعبيرات التونسية من أجل تونس افضل ممكنة وتخصيصا محليا ووطنيا لحركات العولمة البديلة تتنازع العاملين فيها اليوم رؤيتان الأولى تؤمن بأن مقاومة الهيمنة فعل سياسي ومجتمعي ووجودي دائم لا يحتاج إلى معارك إنتخابية ومؤسسات بل أن هذه الإخيرة قد تهدد راديكالية الحركات و تنهيها و تفقد المجتمع قدرات نقدية ومقاومة وصمود الرؤية الثانية تجعلها مفتوحة للمشاركة السياسية ولخوض معركة حرب المواقع داخل المؤسسات وعبرها كجزء من معركة التحرر الكلية.

موعد الإنتخابات القادمة وفي ظل الهزيمة المعنوية للنهضة و النداء وفي ظل هذا الميل للمشاركة المواطنية في صيغ ديناميكات موحدة للديمقراطين يمثل بوابة هامة لتقطع هذه الحركات خطوة إلى الأمام من جهة التعبئة للمشاركة والدعاية الإنتخابية و الترشح ضمن القائمات لتحويل كل عنواين المعارك ( مقاومة الفساد , التنمية , الحريات والحقوق...) إلى معارك محلية يلمسها الناس في معيشهم وينخرطون فيها.

لن تكون الإنتخابات المحلية إسراء على براق الخلاص إلى جنة الديمقراطية و الحوكمة الشفافة ولكنها ستكون بالضرورة أفقا سياسيا ممكنا للحركات الإجتماعية الجديدة لخوض الصراع ولبناء شروط مقاومة أفضل للمجتمعات المحلية والمنتخبين المحليين الديمقراطيين في المستقبل وهي تتويج لكل هذا العطاء في تحويل الحاجة الي تلقي القيم الديمقراطية إلى قدرة على بنائها وترسيخها والذود عنها عبر إجرائيات الديقراطية ذاتها.

هذه المشاركة التي لا بد أن تدفع بإتجاهها القوي الديمقراطية و اليسارية من موقع الإعتراف بهذه الحركات و الإيمان بإقتدارها و لا من موقع الوصاية والتوظيف وهي لا تخضع لصيغ تحالفية تقررها القيادات المركزية للاحزاب المهم هو أن يحدد شباب الحركات الإجتماعية و داعموهم حدود المنافس والخصم الراهن ونعني به التوافق المعطل نهضة /نداء وأن يشقوا طريقهم في بناء القوة الكافية للمشاركة و أن يضعوا قدما في طريق طويل لتشبيك فعاليات المقاومة وبناء شروط تقاربها حتي تكون الفضاء الجديد الحامل للتغيير السياسي والإجتماعي مع باقي قوى المجتمع لأنه لا رجاء في تحول ديمقراطي يحميه التونسيون في أحيائهم وبلداتهم وقراهم إن ظل هذا التحول سجين المراجعات البطيئة وغير المطمئنة للنموذج المعرفي والتصور المجتمعي للإسلام السياسي وللوهن القيمي للمهزمين في الثورة والعائدين بلا وجل.

هي من جهة أخري مختبر لتجديد المشروع اليساري على أرضية فعل ميداني و إنفتاح نظري يحرر الفضاء اليساري نفسه من معوقات نهوضه بذاته ومن معوقات تحوله إلى قوة ممثلة وغير معزولة يثق فيها المجتمع بمختلف فئاته خاصة و أن التراث الديمقراطي الإجتماعي لليسار التونسي تبقى مرتكزاته قوية في الحقلين النقابي و التقافي والسياسي ويبقي رصيدا كامنا تستطيع إستنهاضه حركة الفعل في الواقع والإنتصارات الصغري لأنه في جوهره روح مبثوتة في جسم المجتمع التونسي الحديث تشكل معها في معركة تحرره الوطني وبناء الدولة وهواليوم عهدة و أمانة لا بد أن نثق في قدرة الشباب و الحركات الإجتماعية التحتية والأفقية على حملها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115