الى أين هي ذاهبة، هذا المساء؟ في الأرض ظلمة تلفّ الأرجاء. الطقس بارد. في السماء سحب سوداء. تشدّني رعشة. التفّ باللحاف. أغطّي الرأس والجسم والقدمين. أنا في دفء. أنا في ظلام. تسكنني راحة واطمئنان. وحيدا، تحت اللحاف. أنا هانئ البال...
ما أنا بنائم. مفتوح العينين. أرى الدنيا بهاء وجمالا. ها هي الشمس تغيب، تمشي الى الأفق البعيد. هذا خطاف يطير في السماء. هذه يمامة في العشّ تحمي صغارا. ها أنا أتفسّح في الجنان. أنظر. أقطف وردا وأزهارا. أجلس تحت الظلال. أنا في نعيم، في انشراح. فجأة، أرى جارتي. جارتي أمامي. تمشي الهوينا. وجهها ورديّ. شعرها أسود. عيناها حبّتان من لوز العشّاق. فيهما حور ودلال. ها هي تترنّح بين الأشجار. تشمّ زهرة. تحمل بين يديها اجّاصا وتفّاحا. في الجنان ظلمة. في الجنان خلاء... ماذا تفعل جارتي هنا في هذا المساء؟ أعرف جارتي منذ زمان. ألقاها كلّ يوم، عدّة مرّات. زوجها عجوز دوما يصلّي وأبناؤها صغار. كلّ الحيّ يعرف جارتي. هي قنبلة موقوتة. يهابها الرجال. تغار منها النساء. جارتي نور على نور. تضيء الحيّ ليلا ونهارا...
جارتي تدخل الدار. تنزل عليّ ضيفا. تنزل عليّ بردا وسلاما. أنا وجارتي تحت اللحاف. لا أدري ما فعلت وكيف هي دخلت الدار. لا أدري كيف اندسّت تحت اللحاف، عاريّة، نارا... لا يهمّني ما فعلت وكيف هي دخلت الدار. لا يهمّني كيف تسلّلت وفتحت الأبواب. جارتي الآن بين يديّ. أنا وهي تحت اللحاف. لم السؤال ولم النظر في الظروف وفي الأسباب؟ هي الآن هنا بجانبي. أنا وهي عاريان، تحت اللحاف. هذا وقع مطر رذاذ ينزل من السماء. هذه رياح تنفخ، تدفع بالنوافذ والأبواب. هذا أنا وهي في دفء، تحت اللحاف. في نعيم، في نشوة، في انتشاء. لا يهمّ ما فعلت جارتي لتكون بين يديّ، هذا المساء. لا تسأل عن السبل لمّا تتحقّق الغايات. انتبه لما أنت فيه الآن من نعمة ومن جنّات فالآن لحظات تجري الى زوال. انتبه للحاضر، للّحظة وتمتّع بما توفّر من رزق، من وجد، من خيرات. لا تسأل ففي السؤال حيرة وإرهاق ودع العقل فالعقل للإنسان عقال. إنّ العيش عشق وإحساس. إنّما العيش هو الآن والآن لحظات. فاغنم من اللحظات ما استطعت واملأ فؤادك من اللذّات. إشف غليلك وانعم بما أنت فيه من صفاء فلحظات الصفاء قليلة في عمر الزمان.
دع عنك الحدود وما قيل من حلال ومن حرام واغنم من الوجد فالوجد وجود ووجدان. هو عبادة وإيمان. لا تدر وجهك ولا تنظر الى الوراء فالوراء سراب ولا تشغل نفسك بما هو آت. إنّما الزمان فرص. إنّما الحياة لحظات...
الزمن شيطان يوسوس في قلوب الناس. يلهيهم عمّا ينفع الناس. يدفعهم الى ما لا ينفع من مال وبنين وزينات. يحملهم الى التفاهات فيضيّعوا العمر في السفاهات وفي غيرها من المتاهات. هذا الزمان يا صاحبي رمال تذرفها الرياح فاحذر ولا تنس المقاصد ولا تخدع بما هو سراب. أنظر وتتبيّن ما هو باق وما هو ذاهب الى فناء. ما هو نافع للروح وما هو هباء...
أنا الآن روح. أنا الآن ملاك. في نعيم الخلد أنتشي. أغنم من اللذّات. جارتي البهيّة بين يديّ. أنا وهي تحت اللحاف. ها هي بين أحضانيّ عاريّة، تتلوّى، تنساب كماء زلال. فمها في فمي. وجهها في وجهي. صدرها في صدري. أضمّها وتضمّني وقد تداخلت الأيدي والأرجل وتشابكت الأقدام. لا شيء أحلى من تلاحم الأجسام. أنا وهي جسم واحد. نار تأكلها نار. خيط، أفق يجمع الأرض بالسماء. في نعمة، في نشوة، في هيام. ما أحلى لذّات الحياة. ما أجمل الوصال ذاك الذي كالوحي ينزل من السماء. ما أجمل الحبّ لمّا يغمرك، في دفء، في طمأنينة ومن حولك برد ومطر ورياح. ما أجمل الجنس في الزمن القارس، لمّا ترتعش الأيدي وترتبك المفاصل وتراك وحبيبتك تحت اللحاف. هو البرد يدفع بالواحد الى الآخر. هو المطر يحشر الواحد في الآخر. هو الحبّ التآم والتحام. ها أنت تضمّها اليك ضمّا، تخفيها عن المطر، من السحاب. ها أنت نشوان، في رغد النعيم، في جنّة الجنان...
مع جارتي، أنا في النعيم، في قبّة الفردوس، في ما بعد الأرض وما وراء السماوات. هانئ البال. في أحسن تقويم. في أفضل حال. ما أحلى الوجد المباغت وهذا الجنس نار سعير، ينبعث فجأة، في غفلة، دون سابق اعلام. ليت الآن هو الزمان. ليت الزمان يبقى الزمان. ما أحلى الحبّ لمّا ينفجر فيّاضا. لمّا ينزل عليك وحيا من السماء. ما أحلى اللقاء لمّا يأتيك فجأة فينفتح أمامك القدر وما أنت في شهر الصيام. يومها، يحملك الملك روحا، طيفا فترى العرش نوره وتلمس براحتيك ما حاذاه من انس ومن جان...