غير أن السياسات المعتمدة في التجربة التونسية خلال السنوات الأخيرة و قبل ذلك لم تفلح في التوظيف الأمثل لفوائد هذا القطاع.
فقد بلغت قوة عمل التونسيين بالمهجر ما يعادل حوالي 20 % من مجموع قوة العمل بالجمهورية ككل (محتسبة من بيانات معهد الاحصاء ووزارة الخارجية)، و توفر هجرة العمل النظامية، امكانا على الأقل، ما يزيد عن 10 ألاف موطن عمل بالخارج سنويا، وبلغت تحويلات المهاجرين حوالي 4000 مليون دينار أي ما يعادل حوالي 4.8 % من الدخل الوطني الخام، هذا علاوة على المساهمة العالية للصفوة و الكفاءات التونسية بالمهجر في دعم تونس في مرحلة انتقالها الصعب بعد الثورة، و كون الهجرة من ناحية أخرى قد أصبحت منذ عقود ظاهرة بنيوية و أعدادها تتزايد باستمرار بل ان نسبة نموها في تونس بلغت في المتوسط أربعة أضعاف نسبة نمو السكان ككل منذ عام 2000.
هذا حيز فقط مما تمثله الهجرة من امكان لصالح التنمية والتشغيل، غير أن العديد من التجارب الأخرى تفيد كون الفرص التي يتيحها هذا القطاع يمكن أن تكون أوسع و أهم بكثير مما تجنيه سياسات الهجرة للعمل المعتمدة لدينا. فقد بلغت تحويلات المهاجرين في حالة المغرب على سبل المثال 9.1% من الدخل الوطني الخام لديها أي ضعف النسبة المماثلة لدينا خلال نفس السنة، بل ان تونس لم تستفد حتى من العقود التي تم ابرامها، فمن 9000 فرصة عمل سنويا التي تمنحها الاتفاقية الموقعة مع فرنسا منذ عام 2008 لم يتم الاستفادة الا بحوالي 3000 فرصة في أحسن الحالات!.
أسباب الفشل عديدة لكن محورها الرئيسي كما تبينه العديد من المؤشرات يكمن في ضعف أو غياب الارادة السياسية لمواجهة جدية للتحديات و تعظيم الفائدة من هذا القطاع الهام. وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه قطاع التشغيل بالخارج في:
• ضعف أو غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية العديدة، حيث لا توجد مؤسسة بصلوحيات ادارة التشاور و التبادل والتنسيق، و قد ترتب عن ذلك ازدواجية أدوار و مهام عدد من هذه المؤسسات و عدم الاطلاع على المعلومة في الوقت المناسب...مما اضاع العديد من الفرص.
• و رغم تجربة تونس الممتدة عبر عقود في هذا المجال لا يوجد أي تصور رسمي مشترك معتمد يوحد عمل مختلف المؤسسات المعنية في توجهاتها الرئيسية على الأقل و يضمن تكاملها..كل ما هناك هي سياسات قطاعية منفصلة في الغالب و يغلب على عملها الطابع البراغماتي عندما تفرض الحاجة نفسها.
لذلك لا نجد برامج تاخذ الهجرة للعمل كعملية متكاملة الحلقات ابتداءا بالاستشراف الاستباقي لفرص العمل بالخارج الي التوظيف الفعلى و المضمون الحقوق، مرورا بالتدريب و التأهيل قبل السفر فالمصاحبة..وهي أحد الأسباب الرئيسية للاخفاق الحاصل في تطبيق الاتفاقيات.
• و يكمن التحدي الاخر في الهوة الكبيرة في البيانات الموثوقة و المتجددة، كما لا توجد الية للاستشراف المتواصل لاحتياجات أسواق.....