في تسيير شؤونهم دون سلطة حاكمة. ومنها ما ظهر في العقود القليلة الماضية باسم «الفوضى الخلّاقة» التي حرص على نشرها الاستعمار الجديد والامبريالية العالمية التي تمكّنت من زرع الفوضى في العديد من بلدان العالم الثالث ليسهل عليها نهب خيراتها، وذلك بخلق تنظيمات إرهابية كليانية على غرار «القاعدة» و»داعش»، وقبل بها وانساق فيها من يفتقد إلى أدنى درجات الوعي والوطنية.
في بلادنا، ونحن نعتز بأن تونس دولة من أعرق الدول في العالم وقائمة الذات منذ ما يزيد عن الثلاثين قرنا، نجد في هذه الفترة الحساسة والعصيبة من تاريخنا من يعمل من أجل بث الفوضى، عن وعي أو عن غير وعي، وذلك بالمطالبة بتغييب الدولة في التسيير اليومي لحياة المواطنين.
وللتدليل على ذلك، نكتفي هنا بسرد أمثلة من أحداث الأيام القليلة الماضية:
- رفض أساتذة التعليم الثانوي تطبيق منشور من وزير التربية بتعلّة أن النقابة «ترفض أن تتعامل الوزارة مع الأساتذة بالمناشير المُسقطة». والمسؤول النقابي الذي أدلى بهذا التصريح إلى نشرة الأخبار التلفزية لم يُبيّن كيف يجب أن تتعامل الوزارة مع الأساتذة بما أن «مناشيرها المسقطة» مرفوضة، وكيف تُطالب النقابة الوزارة بالمنح والامتيازات وتتفاوض معها إن هي غير مؤهّلة حتى لإصدار المناشير.
- رفض أعوان مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس للمدير الذي عيّنته الوزارة لإخراج المستشفى من حالته المُتردّية بتعلّة أن أعوان المستشفى غير راضين على المدير المُعيّن. ولم يُوضّح الأعوان من هي الجهة المُخوّل لها بتعيين مدير جديد للمستشفى إذا كان ذلك خارجا عن صلاحيات الوزارة حسب اعتقادهم.
- رفض الأطباء تطبيق قانون المالية الجديد الصادر عن مجلس نواب الشعب المُنتخب على اعتبار أن هذا القانون لا يخدم الصحة بقدر ما يخدم الثقافة. ولم يُوضّح الأطباء إن كانوا الوحيدين الذين يحقّ لهم عدم تطبيق القوانين أم أن كل مواطن يحقّ له تجاوز كل قانون يراه غير مُقنع.
- رفض رواد جامع اللخمي بصفاقس لعزل إمام من طرف الوزير السابق للشؤون الدينية بسبب تطرّفه الديني إلى جانب شبهات مالية حوله بحجّة أن المصلّين هم المُخوّلون لاختيار إمامهم ولا دخل للدولة في ذلك. والجميع يعرف ما آلت إليه تلك الحادثة، إذ تمّ تعيين إمام جديد أكثر تشددا من سلفه وتمّ عزل الوزير.
أن تحدث مثل هذه المعاملات من حين لآخر، فذلك يمكن اعتباره تجاوزا ظرفيا يقوم به من لم يستوعب بعد المعاني الحقيقية للديمقراطية وللحرية، لو اعتبرنا أننا ما زلنا في مرحلة انتقالية بعد خمس سنوات من قيام الثورة. وهي وضعية يمكن مواجهتها بقسط من التفهّم وبقسط مواز ومساو من الحزم.
أما أن تحدث هذه المعاملات في تونس، وبشكل متواتر يكاد يُؤسس لقاعدة التعامل مع السلطة ومع الدولة بعد أن ناضل الشعب طيلة عقود من أجل إرساء دولة القانون والمؤسسات، وبعد أن حصل على أصوات أغلبية الشعب من.....