المذهب الوهابي هو مذهب «لا يجوز» في كلّ شئ ووجه مقيت للتحريم والتشدّد وصولا للتكفير والقتل دون حجّة ولا برهان وبفهم سطحي ظاهري للنصوص بعيدا عن روح الدين بمنطقها وتحليلاتها ونقدها ..
وكنّا مرارا نبّهنا إلى خطورته على جميع الأصعدة وخاصة على ذهنية التونسي الهشّة دينيا ..التونسي الذي انسلخ في حياته من هويته وجذوره اجمالا وخاصة الدينية منها فصار ضحيّة هذا المذهب في عبادته وفي تعاملاته ولباسه بعد نجاح العملية الممنهجة لإذابة ضوابط المذهب المالكي وهويّة البلاد في غياب جبهات صدّ ومؤسسات دينية وتعليمية قويّة وإرادة سياسية
وفكرية فصار انتشارالمذهب الوهابي ملحوظا وتأثيره ملموسا وساد عند عامة الناس فلا تزال كتب الوهابية توزّع والمبادئ تطبّق وتعتمد ولا تزال القنوات والمواقع تبثّ ولا تزال الخلافات الفقهية والعركات في الجوامع وفي العائلات تشتعل بين هذا وذاك وأمثلة ذلك كثيرة جدا ..
فمنذ نشأة الوهابية على يد مؤسسها محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1791) وبما تلقّاه أتباعها من دعم مالي هائل تبنّوا تقديس العداء للآخر ونشر أيديولوجية تحقير الحياة وتمجيد الموت، والتشديد على الناس في حياتهم وخاصة تحقير المرأة معتمدين على تعاليم دينية ونصوص قرآنية، يقومون بتأويلها وتفسيرها حسب أهوائهم ليلائم ذلك سعيهم لهدم تعاليم الدين بلسان أبنائه معتبرين العقيدة الوهابية هي وحدها العقيدة الإسلامية النقيّة الصحيحة ، ومنحوا لأنفسهم ولشيوخهم ومنظّريهم اليد الطولى في إدارة الشؤون الدينية والتعليمية حتّى تحوّلت إلى «فاشية دينية وهابية»
فأنشأت هيئة كبار العلماء يَرأسها مفتي السعودية ، وهي هيئة دينية إسلامية تعمل بديلاً عن البرلمان تقوم بنشر ثقافة الكراهية والتكفير وتغذية التطرّف والإرهاب في جميع أنحاء العالم العربي ،وبالتالي محاربة الفكر والإبداع والنقد
بفأس «المقدّس» حتى بات يَشمل التراث والفقه والتاريخ والعادات والأعراف ، بل وصل الأمر أن كل شخص يُطلق لحيته ويرتدي الزي الباكستاني أصبح له حصانة المقدسات الممنوع الاقتراب منها بالنقد ، حتّى تحوّل الأمر إلى طغيان أغلبية بمعايير الاستبداد الديني ومحاولة قولبة البقيّة وتذويبها في ثقافة لا تريدها وتتنافى مع معتقداتها محاربة كلّ المناهج العلمية
المتطورة ، وأساليب البحث العلمي الحديث ، وأدوات التقدّم ، ومنتجات الحداثة ، ومظاهر العولمة، ومتطلبات الديمقراطية الحقيقية، ومستلزمات السياحة العصرية ، ومناخ الاستثمار الجذاب ، والاستقرار السياسي القائم على الحكم الرشيد ، والإعلام المتوازن الموضوعي المهني … ،وذلك بتضليل العباد وتخريب العقول من خلال نشر الفتاوى الغريبة العجيبة المضحكة والمقزّزة أحيانا على غرار الفتوى القائلة بجواز معاشرة الزوج لزوجته الميّتة من طرف زوجها، والفتوى المبيحة للمرأة إرضاع زميل العمل منعاً للخلوة المحرّمة وغيرها من الفتاوى التي نورد بعضها لبيان هشاشتها وغرابتها وابتعادها عن كلّ علم وعقل ومنطق وبرهان :
• فتوى ابن باز بأن من قال إن الأرض كروية فقد كفر، وحق دمه على المسلمين .
• فتوى الشيخ البراك بأن من يجيز الإختلاط بين الجنسين فى العلم والعمل ، فقد كفر ويجب قتله.
• فتوى الشيخ يوسف الأحمد بهدم الكعبة لأن فيها اختلاط بين الجنسين وبناء كعبة جديدة لا تسمح بالاختلاط.
• فتوى من الهيئة العليا الوهابية بهدم الكنائس فى العالم الإسلامي وعدم السماح بكنائس جديدة .
• فتوى وهابية بقتل منتج فيلم الرسالة مصطفى العقاد سنة 2003م وحل دمه ووضع المتفجرات تحت مقعده .
• فتوى بقتل ميكى ماوس فى المسلسل الكرتونى التليفزيوني لأنه فأر والرسول أمر بقتل الفئران !!
• فتوى بمنع المرأة من لبس البنطلون لأنه تشبه بالرجال واعتباره ضد الدين وضد الاحتشام.
• فتوى ابن باز عن أن المستغيثين والمتوسلين بالأنبياء والأولياء مشركون كفرة لا تجوز مناكحتهم ولا دخولهم المسجد الحرام ولا معاملتهم معاملة المسلمين ولو ادعوا الجهل ولا يلتفت إلى كونهم جهالاً بل يجب أن يعاملوا معاملة الكفار..
وغيرها كثير ومنها أيضا فتوى بمنع المرأة من قيادة سيارتها لأنه تشبّه بالرجال وكنتيجة لهذه الفتوى سنّت القوانين ومنعت المرأة من حقّها في سياقة السيارة في حين أنّها حظيت بسياقة الطائرات والباخرات في كلّ أصقاع الدنيا ولم يكن هذا المنع وليد نصّ قرآني ولا منطق عقلاني بل وليد تبريرات وتعلاّت واهية ..
2 ) فتوى تحريم سياقة المرأة للسيارة ..سبحان مبدّل الأحوال..
هذه الفتوى التي منعت لعقود المرأة السعودية من حقّها في قيادة السيارة وغيرها من الحقوق الأخرى تحمل في طيّاتها عمق النظرة الدونية التي تتبنّاها الوهابية تجاه المرأة تحت جدلية الدين في جوهره والخطاب الديني المتولّد من هذا الفكر المنغلق الملتحف برداء التديّن الشكلي المتخلّف الذي لا يعترف بالتعايش مع الغير ، ولا يزال يرى الدنيا من منظار قيم الجاهلية والبادية والصحراء ولذلك كانت هذه الفتوى التي اجتمع حولها عموم مشائخ الوهابية من ذلك ما أصدرته هيئة كبار العلماء من فتاوى عديدة بتحريمها تحت رئاسة عبد العزيز بن باز. وبقية الأعضاء على غرار عبد العزيز آل الشيخ و صالح الفوزان و محمد بن عثيمين الذي يقول «لا شك أن قيادة المرأة للسيارة فيها من المفاسد الكبيرة ما يربو على مصلحتها بكثير هذا فضلاً عن أنّها ربما تكون سلما وبابا لأمور أخرى ذات شرور فتاكة وسموم قاتلة». والوهابي سعد الحجري الذي عدّ «عشرين مفسدة لقيادة المرأة للسيارة والنساء «بربع عقل»:
وقد أشبعوا هذه القضية تحليلا وتبريرا وصنّفوا الكتب والمقالات ليقدّموا تعليلات لفتاواهم معتقدين صحّتها مبيّنين إصرارهم على التمسّك بها وأنّه لا محيد لهم عنها من ذلك «كتاب الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام - الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م -
ورغم بروز حملات مطالبة فاشلة برفع المنع على مدى عقود من الزمن من ذلك حملة نوفمبر 1990 أثناء حرب الخليج الثانية، أصدرت وزارة الداخلية السعودية بيانا تحذيريا ينص على المنع.ورغم ذلك شاركت 17 سيارة فيها 47 امرأة في الحملة. انتهى المطاف باعتقال النساء ومنعهن من السفر وفصلهن من وظائفهن واعتقال أزواجهن أو أبائهن بتهمة «عجزهم عن السيطرة على نسائهم وحملة سنة 2011 إبان ثورات الربيع العربي وحملة 26 أكتوبر 2013 وقد دعت إليها العديد من الناشطات السعوديات , ولكنّها فشلت ثمّ تلتها حملة 2014 قامت بها الناشطة «لجين الهذلول» وكان مصيرها الإعتقال لمدّة وفشلت كذلك لتنتظر السعوديات يوم 26 سبتمبر 2017 الذي أصدر فيه الملك سلمان بيانًا بالسماح للمرأة السعودية بالقيادة وفقا للضوابط الشرعية والتراتيب النظامية المعتمدة وهو قرار محمود يهمّ السعوديين والسعوديات بدرجة أولى لكنّ ما يعنينا هو موقف علماء الوهابية الذين كتبوا الكتب وأصدروا الفتاوى الكبيرة في موضوع تحريم سياقة المرأة للسيارة لكنّ كلّ ذلك «طاح في الماء » كما يقول التونسي بجملة يتيمة تنقل لنا حربائية الوهابية وتبدّل الحال والمواقف بسهولة وبساطة وسذاجة.
فقد علّقت هيئة كبار العلماء، على أمر خادم الحرمين الشريفين بالسماح بتمكين المرأة من استخراج رخصة لقيادة السيارة في تغريدة لها، يوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 «حفظ الله خادم الحرمين الذي يتوخّى مصلحة بلاده وشعبه، في ضوء ما تقرّره الشريعة الإسلامية».
وهذا حال مذهب الوهابية في استعمال التقيّة والمراوغات والانبطاح والمتاجرة بالدين وتصلّب المواقف وتفشّي الجهل وأفكار التخلّف والرجعيّة والدونيّة خصوصا تجاه المرأة فسبحان مبدّل الأحوال...