لن أخوض في ملابسات هذه التحوّلات السياسية والتوافقية الهشّة المزعومة بقدر التركيز على أن من اعتقد ذات يوم في جديّة المراجعات وسلامتها من التلوّن عند الوهابية الإخوانية فهو أبعد ما يكون عن الصواب ومن اعتقد أنهم لبسوا البدلة الإفرنجية وربطة العنق إيمانا واحتسابا واقتناعا وتغيّرا فهو يعيش السراب ...
ومن اكتشف ذلك اليوم من السياسيين أو أهل الفكر وعامة الشعب فكأنما كانوا يخفون «عين الشمس بالغربال»
ولم نكن نترك مناسبة إلاّ وشهّرنا بأن الخطر الأكبر هو «الوهابية الإخوانية «- جمع مصطلحي الوهابية بالإخوانية مقصود لأنّه لا انفصال بينها البتّة -..فهي فيروس يضرب العقول التي لا نراها ويدمّرها ويحملها نحو الإهلاك ...قد لا تدرك غالبية التونسيين حجم خطورة المشروع الوهابي الإخواني لجهلهم بأدبياته أو قصر الذاكرة وسرعة النسيان ...لكنّنا نجد أنفسنا باستمرار بدافع المسؤولية العلمية والإعلامية مدفوعين للتنبيه والتحذير من خطورة هذا المشرب «العفن» و«عفونة « هذا المشرب نشتمّ رائحتها في:
1 ) زعم الوهابية الإخوانية أنّ الرأي رأيهم ، وأنهم وحدهم على الدين الحق ، وأنهم المتحدثون الرسميون عن الله ورسوله ، وتذكروا رسالة محمد بن عبد الوهاب في أواخر القرن 18 التي بعثها إلى الأقطار مشرقا ومغربا ومنهم تونس يكاد يكون فيها طالبا اتّباع الناس له والولاء له ومن خالفه فمشرك في اعتقاده وجبت استتابته وردّ عليها الردّ الباهر الصارم علماء الزيتونة..
2 ) خروج أصحاب الوهابية وانتشارهم في كلّ مكان بتمويلات ضخمة حاملين فقها محدودا سلاحهم الوحيد غرس معاول التفريق فكانوا وراء تكوين فرق التكفير والهجرة ، وجماعات الجهاد بمختلف مسمّياتها ، فإذا الصف الواحد ينشق أنصافاً وأعشاراً ، هذا يقاتل من أجل الجلباب القصير واللحية والنقاب ، وهذا يقاتل من أجل أن تكون وظيفة المرأة محصورة في الولادة !! وهذا يقاتل لمحو المذاهب الفقهية ، وهذا يعلن الحرب على اﻷشاعرة ، وهذا وهذا وقد شاهدنا جميعا كيف تمّ تقسيم المجتمع التونسي إلى كفار ومسلمين وسافرات ومتحجّبات ... فماذا كانت العاقبة انهدام البناء وشماتة الأعداء .
3 ) اتهام المسلمين الموحّدين بالشرك وتكفير الصوفية ثم الأشاعرة وانكار إتباع الأئمة الأربعة أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل
وتسليط المرتزقة لرمي بالضلال والغواية الجماعات والهيئات الإسلامية وبقية المؤسسات والشيوخ الذين لا يدينون بمذهب الوهابية مستخدمين في ذلك الكتب والأشرطة ونحوها ، وترجمة هذه الكتب إلى مختلف اللغات وتوزيعها مجانا في كل وقت وخاصة في مواسم الحج والعمرة ..
4 ) غلق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات معينة وطمس معالمه وتغطية المحاريب وازالة النقوش وتغطية قصيد المديح الدائر بالحجرة النبوية وفرض أسلوب معين في الأذان ومنع التدريس والوعظ في الحرمين الشريفين ولو كان المدرس من كبار علماء المسلمين ما لم يكن على مذهبهم .
5 ) منع النساء من الوصول إلى المواجهة الشريفة أمام قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه أسوة بالرجال ، وحجبهن عن رؤية المسجد بحواجز كثيفة ومنعهن أيضا من زيارة البقيع الشريف بلا دليل قطعي مجمع عليه من الشرع ، مع المجئ بالمرتزقة والجهال من العابسين عند المواجهة الشريفة يستدبرون المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأقفيتهم وظهورهم ويستقبلون زواره والمسلمين بوجوه عابسة مكفهرة تنظر إليهم شزرا متهمة إياهم بالشرك والابتداع ، يوبخون هذا وينتهرون ذلك ويضربون يد الثالث ويرفعون أصواتهم زاجرين متجاهلين وناسين قول الله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (الحجرات : 2 ، 3 ، 4).
6 ) هدم معالم قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت الكرام رضي الله عنهم وتركها قاعا صفصفا وشواهدها حجارة مبعثرة ، لا يعلم ولا يعرف قبر هذا من هذا ويضيقون على المسلمين في الزيارة إلا في أوقات محدودة وقصيرة .
7 ) المرأة عندهم جنس فقط وصورة ذلك مبثوثة في صميم أدبياتهم فليس من حقها العمل وسياقة السيارة .ومجلة الأحوال الشخصية كفر –انظر مختلف الفتاوى لشيوخهم وانظر مجلة «المعرفة» المعبرة عن فكر الاخوان في سنوات 1977/ 1978 وما قبل هذه السنوات كيف كتبوا في صفحاتها «الديمقراطية كفر» و«الانتخابات كفر» و«الوهابية حركة إصلاحية».
المخطئ من يعتقد أن العقلية «الوهابية الإخوانية» قد انمحت بل لا تزال «فيروسا» لا تقاومه المضادات الكيمياوية بل هو سمّ يبقي يسري ولا ترياق له .. الفكر السلفي الوهابي لا يزال يعشش في كثير من العقول لدى شبابنا وشاباتنا ...ينتظرنا كثير من العمل والجهد ...صراحة ما غرسه المجرمون يعسر اقتلاعه لكن علينا السعي لحلحلته والتشكيك فيه حتى ندرك مرحلة الاقتلاع ....لا تزال بلادنا في خطر ..حلول الأمن وحدها لن تفي بالحاجة ..لا بدّ من الفكر ولا بدّ من الخطاب – محاولات السيطرة على المساجد واستجلاب شيوخ النكاح - ولا بدّ من الثقافة – تحريم الغناء والرقص والمسرح والسينما - ولا بدّ من التعليم – محاولات استعادة التعليم الزيتوني بشكل فوضوي والدعوة الأخيرة لايقاف العمل بمجانية التعليم- ولا بدّ من مؤسسات الدولة الرسمية –محاولات ضربها عبر الجمعيات والسيطرة على المنظمات والدعوة لعودة نظام الأوقاف - ....
وكلّ الخوف - بعد التصريح الصحفي لرئيس الدولة والذي ينبئ بموت «التوافق» المكذوب- من عودة ضربات الارهاب فزر الإرهاب بأيديهم يضغطون فتتحرّك الدمى المتوحّشة لتضرب وتسفك الدماء ويستشهد الجنود ويمرّ الحدث عابرا فقد غلبت العادة الألم ...والفكر الداعشي ينام بعيون مفتوحة يسري خفية وببطء ...السجون ستعيد التفريخ ..و»الفيروس» الذي تغلغل ليس من السهل اجتثاثه بالشقشقة ..الحلّ الأمني نعم والحلّ الفكري الديني الثقافي الاستراتيجي المستمرّ هو الغائب ..