كتب الاستاذ زياد كريشان في افتتاحيته في جريدة «المغرب» يوم الخميس 1 جوان 2017، عن « نداء تونس..والسقوط المدوّي»، وقد اخترنا في القيادة الوطنية لحركة نداء تونس أن نرد على المقال بمقال، راجين من إدارة تحرير اليومية الغراء أن ينشروه في مقام مناسب بناء على الحق المخوّل لنا في ذلك عرفاً وقانوناً.
وقبل الولوج إلى المتن لا بدّ من ملاحظتين على الهامش:
• أوّلا: استغرابنا أن تحيد صحيفة مستقلة كل هذا الحياد عن الخط الوسط، فمع تقديرنا لخصوصية الخط التحريري للصحيفة، إلا أن عداء «المغرب» للنداء فاق كل حد، إلى درجة ما يشبه التفرغ لمهاجمة الحركة بمناسبة وبدونها وعلى نحو لا تخفى معه نبرة العدائية غير المبررة.
• ثانيا: لقد حاولنا فهم عبارة « سقوط مدوٍّ» فلم نجد لها معياراً مقبولا أو معقولا، إذ نقرأ مثل هذه العبارات مثلا عندما يتعلق الامر بهزيمة انتخابية مدوية، والكل يعلم أن تونس لم تنظم انتخابات منذ تلك التي جرت أواخر سنة 2014 وفاز بها النداء، كما يمكن مثلا الاعتماد على سبر آراء محترم أظهر خسارة كبرى للحركة في نوايا التصويت وهو أمر لم يجرِ، بل إن ما جرى هو العكس تماما، ففي جميع عمليات سبر الرأي التي قامت المغرب نفسها بنشرها، جاءت حركة نداء تونس في المقدمة. وقد تواترت هذه النتيجة عند جميع المصادر تقريبا وعلى امتداد الأشهر.
نأتي الآن للمتن، لنجيب لماذا حركة نداء تونس غير قابلة للسقوط أو الانكسار، فنقول الآتي:
أولا: إن حركة نداء تونس، على الرغم من أنها ليست حركة عقائدية/ايديولوجية، إلاّ أنها حركة ذات جذور عميقة تقف على أرضية فكرية صلبة تتصل بشجرة الحركة الوطنية الإصلاحية التونسية، وهي في نظر جلّ التونسيين الممثل الرئيسي لمدرسة الفكر الوطني والنسخة المعاصرة للحزب الحر الدستوري الذي تأسس في 1920 وتجدد في 1934، وهنا سر قوة هذه الحركة المباركة وتفسير انتشارها في كل ريف وقرية ومدينة على امتداد ترابنا الوطني، وسر استعصائها على مؤمرات الداخل والخارج، فوقوعها في أزمة قيادة منذ سنتين لم يفقدها مناضليها وانصارها في كل مكان، قاعديا ومحليا وجهويا، الأمر الذي جعلها كما أشرنا تواصل تصدرها سبر الاراء، وتواصل انتصاراتها الانتخابية في الاستحقاقات القادمة مثلما ستثبته الوقائع ابتداء من 17 ديسمبر 2017 لا التمنيات والأحلام.
• ثانيا: إننا لا ننظر إلى الأزمات مثلما ينظر إليها قصار النظر، فهي بالنسبة لنا في حركة نداء تونس مخاضات، أي لحظات ولادة من جديد، أو مراحل إعادة بناء وتجدد، وهي أيضا حالات تطهر ذاتي تبيّن لنا الأصيل من الهزيل، وصادق الانتماء من متذبذب الأداء، وعلى الرغم من تأسفنا على كل كفاءة قد نخسرها جراء سوء فهم أو تقدير لطبيعة المرحلة والصعوبات التي نواجهها، فإننا نقدر أن عددا من الذين غادرونا، ومن بينهم مؤسسون أعزاء، فضلوا - بوعي أو بدون وعي- أن يلعبوا دور معوّقات نمو وعرقلة لعمل الهياكل والمؤسسات، ونظروا إلى مساهمتهم في التأسيس كما لو كانت مساهمة في امتلاك أصل تجاري أو رأسمال شركة ربحية، وليس حزبا سياسيا تتداول على الدخول إليه والخروج منه أجيال وأجيال، وسيكون معيبا على هؤلاء تسفيه التوريث من جهة، والاستقواء بنوع اخر من التوريث من جهة أخرى.
• ثالثا: إن الإشارة السلبية المتكررة للمدير التنفيذي للحزب، الأخ حافظ قائد السبسي وللدور الذي يلعبه منذ خروج الرئيس المؤسس إلى رئاسة الجمهورية، إشارة ذات بعد كيدي في الغالب، قائمة في أكثر الأحيان على أحكام مسبقة ظالمة، فالمدير التنفيذي لم يجبر أحدًا على مغادرة موقعه القيادي لتأسيس حزب جديد، أو الاستقالة من أعلى منصب قيادي لالتحاق بجبهة تتبنى خطابا فاشيا تقسيميا للتونسيين من جديد. وكما ثبت في تاريخ التنظيمات السياسية عبر التاريخ الحديث والمعاصر، فإن جزءًا من حل الأزمات هو الانتصار في اختبارات القيادة، ومن هنا فإن أحد مفاتيح فهم تطور حركة نداء تونس هو هذا التنافس المفتوح الذي امتد على السنتين الماضيتين، وانتهى بقيام قيادة منسجمة قادرة على إعادة بناء الحركة كحزب سياسي موحد الهوية الفكرية والسياسية ومدافع شرس على الخيارات الكبرى التي وضع أسسها وأشرف على تنفيذها الرئيس المؤسس، وقد ثبت أن قيادة أقل نجوما وأكثر عملا هي الأنجع على أرض الواقع.
• رابعا: إن قدرة الحركة على استقطاب مزيد من الكفاءات الوطنية، هي أمر يحسب لها لا عليها، تماما كما هو حال تكالب الخارجين منها والمنشقين عنها ممّن أعلنوا وفاتها عديد المرات لكنهم لم يتركوا واسطة إلا واستنجدوا بها للعودة إليها، فالحركة تتلقى يوميا مئات طلبات الالتحاق بعضوية هياكلها ومؤسساتها، بل إننا نقول بكل ثقة في النفس، ورغم كل طعنات الخصوم والأصدقاء وحملات التشويه المتواصلة، ليس هناك حزب تونسي أكثر قدرة على الاستقطاب من حركة نداء تونس، بل إن كانت لدى الحركة مشكلة فهي ليس نقص الكفاءات والخبرات، بل إدارة مواردها البشرية العديدة على نحو يجعلها تستفيد من مواهب كافة أبنائها، وإن الحزب الجاذب للشخصيات الوطنية هو حزب فخور بنفسه واثق من مستقبله، تماما كما يجدر بِنَا القول أنّ جميع من غادر سفينة النداء سرعان ما اكتشف حجمه الحقيقي بعد خروجه، وبدل ابداء الندم والاعتراف بالذنب سار البعض في طريق من أخذته العزة بالاثم.
• خامسا وأخيرا: لا بد من القول بأنّ حكومة الوحدة الوطنية كانت جزءا من إرادة حركة نداء تونس، وأن رئيسها ما كان ليستمر كل هذه المدة في مكانه لو أن الحركة لم تقف إلى جانبه وتسانده برلمانيا وسياسيا، تماما كما كانت الحملة على الفساد احدى نقاط وثيقة قرطاج التي كانت للحركة مساهمة كبرى في صياغتها، ولهذا نقول أن السعاة إلى ضرب موقع الحركة في مؤسسات الحكم من خلال التخطيط لسيناريوهات مربكة لمسار الانتقال الديمقراطي، ستبوء حتما بالفشل، فنداء تونس كان وراء انتشال وحماية هذا المسار في جميع اللحظات التي مر فيها بانحراف او صعوبة، وسيكون صمّام أمان يفشل كل انقلاب على المصالحة والتوافق والإصلاح والتجربة الديمقراطية.