ليزبون أو لشبونة اللاعب الكبير أوزوبيو ذو الأصول الإفريقية. إلا أنه ولئن تأسّف محبو كرة القدم على غياب هذا اللاعب الكبير كما غيره من اللاعبين الكبار فإن رحيل يوهان كرويف كان له أثر خاص وحسرة وألم لا يوصف.
لقد كان للهولندي الطائر مكانة خاصة في عالم كرة القدم طبعا كان لاعبا فذا قام بمسيرة كرؤية هامة حيث تحصل على عديد الألقاب وكانت له صولات وجولات على كل ملاعب العالم. ولكن هذا غير كاف لتفسير المكانة الخاصة التي يتمتع بها هذا اللاعب بخلاف عديد اللاعبين الكبار الآخرين فقد عرفت كرة القدم العالمية بروز عديد اللاعبين الكبار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية نذكر منهم الجوهرة السوداء بيلي والأرجنتيني مارادونا والفرنسي بلاتيني والألماني بيكنباور والجزائري زين الدين زيدان إلى الأرجنتيني ميسي أو البرتغالي رونالدو. إلا أن كل هؤلاء اللاعبين ومهما تعالت قيمتهم الفنية وإبداعاتهم الكروية فإنهم لم يصلوا إلى المكانة التي وصلها اللاعب يوهان كريوف والسبب يكمن في رأيي أنه إلى جانب كونه لاعبا فذا ومن فلتات كرة القدم العالمية فقد قام هذا اللاعب بأهم ثورة كروية على الإطلاق مند بداية هذه الرياضة الجماعية لقد قام هذا اللاعب إلى جانب ممرنه في السنوات الأولى في فريق أجاكس امستردام الهولندي Rinus Michel والفريق الهولندي بثورة على أعتى الأنظمة التكتيكية في العالم وهو النظام الدفاعي الإيطالي والمعروف Catenaccio لصاحبه Heleno Herrera ممرن فريق أنترميلان ذي الأصول الأرجنتينية وتعتبر في رأيي هذه الثورة في الميدان الكروي والتي لم تكن كما سنرى بمعزل عن السياسة بقوة الثورات السياسية التي أطاحت بأعتى الأنظمة السياسية لتجعل من الهولندي الطائر بمثابة الأيقونات الثورية أو قيفارا كرة القدم.
ولنفهم أهمية هذه الثورة الكروية لا بعد أن نعود قليلا إلى الوراء وإلى التاريخ السياسي والاجتماعي للعبة الشعبية الأولى. وتاريخ هذه اللعبة ليس بمعزل كما نعلم عن تاريخ تطور المجتمعات الأوروبية وخروجها تدريجيا من الأنظمة الإقطاعية لتدخل إلى النظام الرأسمالي عبر الثورة الصناعية وقد نتج عن هذه الثورة الصناعية عملية نزوح كبرى لسكان الأرياف وتكوين تجمعات عمالية كبرى في أهم المدن الصناعية الأوروبية كما نشستر وليفربول في بريطانيا ومرسيليا وبرشلونة وميلانو وقد عمل أصحاب المصانع والرأسماليون على خلق فرق لكرة القدم لتمكين عمالهم من تمضية وقت متعة أيام الآحاد والاندفاع إلى العمل في باقي أيام الأسبوع.
إلا أن هذه اللعبة ستحرر تدريجيا من وظيفتها الاجتماعية التي خلقت من أجلها من قبل المؤسسات الصناعية ورجال الأعمال وهي المتعة والترويح على النفس لتصبح إطارا وفرصة للهروب من واقع العمل المضني ومجالا للتعبير عن آمالهم وأحلامهم أصبحت كرة القدم مجالا للتحرر من الاغتراب الذي فرضه النظام الاجتماعي الجديد وقواعده ونظام العمل القاسي لساعات طوال نجح شارلي شابلن في تصوير حـدتها في فيلمه الهام les temps modernes أو الأزمنة الحديثة نجحت كرة القدم في أن تختزل ثورة الطبقات العاملة والشعبية وحلم الانعتاق والتحرر من نظام العمل والضوابط الاجتماعية الجديدة لهذه الأسباب أصبحت هذه الرياضة اللعبة الشعبية الأولى باعتبارها حملت آمال وأحلام فئات اجتماعية واسعة في الهروب من هيمنة الواقع القاسي للمؤسسات الصناعية في بداية القرن العشرين ومجالا للتعبير عن رفضها لهذا العالم الجديد. وقد حملت هذه الرياضة مبادئ الثقافة المناهضة للثقافة السائدة في امجتمعات وجعلت من اتعاون والتآخي والتآزر والإبداع والحرية أهم مبادئها واختياراتها.
وتبرز هذه المبادئ في عديد المجالات المتعلقة بكرة القدم لعل أهمها طرق لعب فرق كرة القدم أو ما نسميه التكتيكات التي تتبعها وكذلك الأجواء الاجتماعية أو العلاقات بين الناس.
ففي ميدان التكتيك تركت الفرق والممرنون حرية كبيرة للاعبيهم لم يفرضوا عليها التقيد بتعليمات دقيقة حول تواجدهم كما هو الشأن اليوم وأصبح الملعب مكانا يعتبر فيه اللاعبون والذين كان أغلبهم عمالا يقضون كامل الأسبوع في مصانعهم بكل حرية ويفسح مجالا كبيرا للإبداع ويأتون بحركات ولقطات جميلة تبعدهم عن الروتينية والرتابة التي يعيشونها كل أيام الأسبوع.
ونجد هذه المبادئ كذلك في العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين محبي فرق كرة القدم وطرق عيشهم وعلاقات التعاون والتآزر التي يخلقونها مع بعضهم في الملاعب وفي رحلاتهم لدعم فرقهم وبل حتى في حياتهم اليومية وفي هذه العلاقات الاجتماعية يسعى المحبون بالآلاف للهروب من