كيف نقرأ إعلان السيد صرصار عن استقالته قبل يوم من خطاب رئيس الجمهورية؟ وخاصّة إذا وضعنا في الاعتبار أنّه خطاب يلفّه التكتّم ، بل حتى رئيس الحزب المعتبر متوافقا معه لم يلتق به، وهذا ينهض دليلا على تحوّل في علاقة الرجلين.
بماذا نفسّر سكوت رئاسة الجمهورية إثر إعلان الاستقالة؟ وفي هذا السياق يمكن أن أجاب بأنّ رئاسة الجمهورية مؤسسة عليا لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أهمّ المؤسسات البانية لديمقراطية المجتمع والمحافظة على المسار الديمقراطي بالبلاد، ومثل هذه الأزمات إذا حلّت بالمؤسسة لا يمكن البتّة أن تمرّ بهدوء.
ماذا نفهم من ردّ النهضة الذي جاء على لسان نائبها، ونقله موقع الحركة ؟ ولعلّ أهمّ ما يستوقفنا منه ما يلي:
• حركة النهضة فوجئت بخبر الإستقالة و ليس لها علم بوجود خلافات داخلية قد تدفع رئيس الهيئة للإستقالة-
• الاستقالة تأتي في ظرف تتهيأ فيه البلاد للإنتخابات البلدية.
• حركة النهضة حريصة على اجراء الإنتخابات البلدية في موعدها المقرر والمعلن عنه وهو يوم 17 ديسمبر 2017.
• الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لعبت دورا كبيرا وتاريخيا في تاريخ تونس ما بعد الثورة من خلال تنظيم وانجاح الاستحقاقات الإنتخابية السابقة.
• حركة النهضة تثمن الدور الوطني الذي لعبه السيد شفيق صرصار بصفته رئيسا للهيئة وكذلك بقية اعضاء الهيئة وكل العاملين بها.
• سنتابع موضوع الاستقالة وسنقوم بالجهد المطلوب لتطويق المشكل حتى يقع تثبيت موعد الانتخابات المحلية وحتى تعمل الهيئة في ظروف مناسبة لتكون عاملا من عوامل الإستقرار في البلاد.
ستّ نقاط قام عليها موقف الحركة، وجميعها يؤكّد مسألة واحدة، هي أنّ النهضة على علم بما يجري بالهيئة وبما سيتّخذ من قرارات، وهي في الوقت نفسه تؤكّد على المحافظة على موعد الانتخابات بينما تعتبر المسألة، عمليّا، من رابع المستحيلات، فنحن على أبواب عطلة برلمانية ولا يمكن بأيّ حال تعويض المستقيلين في ظرف وجيز؛ كما لا يفوتنا التنبيه إلى أنّ الرئيس ونائبه من المستقيلين وعلى هذا الأساس لن يكون اجتماع البقية قانونيا. ولعلّ أجمل ما يستوقفنا في هذا التصريح أمران : حرص النهضة على العمل على تطويق المشكل لإنجاز الانتخابات في موعدها وقبول استقالة الأعضاء الثلاثة واعتبار المسألة في طيّ التاريخ.
أمام هذا العرض لا يسع المتابع سوى السؤال عن علاقة المستقيل بمؤثرات الأحزاب، وهنا بيت الداء ، لأنّك يا سيدي صرصار أنت مسؤول أمام جهة واحدة وعليك بتبرير قراراتك أمام قوّة واحدة، هو الشعب التونسي وليس غيره ، وذاك هو معنى الاستقلالية. وأعتقد أنّك لم تقدّر لهذا الشعب حقّه ومكانته: فهو الفاهم والعالم والناضج، ويكره من يحتقره وينبذ من يستبلهه... إذ ما معنى أنّ الخلاف « أصبح يمس القيم والمبادئ التي تأسست عليها الديمقراطية» ؟ وعن أية ديمقراطية تتحدّث ؟؟؟؟ وأية مبادئ وقيم تعني؟؟؟ ذكرت الأسباب في « المهموتة» كما يقول أجدادنا وعوّلت على سذاجتنا..
وفي هذا السياق أقول للسيد بفون: كفاك استغباء لنا عندما تقول» إن سبب استقالة السيد صرصار هو ما وقع في اجتماع عقد يوم 12 أفريل الماضي تم خلاله انهاء الحاق بعض الموظفين منهم المكلف بالتكوين والشؤون القانونية والشراءات. مع العلم أنّه نفس السبب الذي انطلق منه رئيس الهيئة في تعليل الاستقالة. لتضيف سيدي نبيل بفون أن الأغلبية في مجلس هيئة الانتخابات تغيرت وصرصار وجد نفسه في الأقلية.. لتستنتج أن أعضاء المجلس لو علموا بنية صرصار الاستقالة كانوا سيغيرون موقفهم» .
أكرّر: كفاكم استحمارا لنا لأنّنا نعلم جيدا أنّ المسألة اشد تعقيدا، وأن التوافق بين الحزبين يعيش آخر أيامه.. بل ألا يكون في استقالتكم غلق لباب استفتاء قد يكون رئيس الجمهورية ينوي الإعلان عنه؟ وتكون بذلك النهضة قد قطعت الطريق لكلّ قرار لا تزكيّه بيدها.. ولا ننسى أنّ هذه الهيئة بما فيها الأستاذ صرصار عينه المجلس التأسيسي الذي كان يحكم لجامه نواّب النهضة.. ولو كان الأستاذ صرصار محرجا لما رضيت به النهضة.. فحتما، أمور أعظم سيكشفها التاريخ.. ولتونس ولنا ربّ يحمينا.