ليس من باب المبالغة أو التجني القول بأن هذه الحكومة باتت في حكم المنتهي.
فقد فشلت هذه الحكومة في تحريك عجلة النمو الذي تحتاجه البلاد بل واصلت في عهدها الصورة الخارجية للبلاد في التراجع ما أضعف قدرتها على تعبئة الموارد المالية في السوق الدولية، واستفحل في عهدها اختلال التوازنات العامة، فتعمق عجز ميزانية الدولة، وارتفعت نسبة المديونية العمومية،وتفاقم عجز الميزان التجاري ، وتدهورت قيمة العملة الوطنية الخ... وتتالت الأزمات الاجتماعية والاضطرابات في الجهات الداخلية وأخذت منحى العصيان، وتسرب جراء ذلك القلق داخل مؤسساتنا العسكرية والأمنية حتى صرح بعضها أنها لم تعد مستعدة للقيام بالدور القمعي الذي أنيط بعهدتها في الماضي وطالبت بتوخي الحلول السياسية في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
هل الحكومة وحدها مسؤولة عن كل هذه الأوضاع؟ طبعا لا، فقد تولت زمام الأمور في وضعية دقيقة لعل أبرز علاماتها اختناق المالية العمومية. لكنها أساءت إدارة الأمور وأثارت ضدها مختلف شرائح المجتمع بمناسبة مناقشة قانون المالية لسنة2017 : الأجراء وأصحاب المؤسسات والأطباء والمحامون والصيادلة والخبراء المحاسبون والفلاحون وغيرهم من الشرائح الاجتماعية فضلا عن الاحتجاجات في الجهات، وفضلت التشهير بهم عوضا عن الحوار معهم بهدف صياغة ميثاق اجتماعي يوفر السلم الاجتماعية ويفتح باب الإصلاحات المستوجبة.
كل ذلك مرده قلة الخبرة وضعف المقدرة القيادية. فقد ولدت هذه الحكومة فاقدة لكل رؤيا أو برنامج، ما جعلها تعجز عن أخذ أدنى مبادرة وعن إدارة الأزمات، فظلت تراوح مكانها و تفقد مع مر الزمن تماسكها ومساندة القوى السياسية لها وانتهت إلى فقدان أدنى سلطة داخل المجتمع، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى « هيبة الدولة ».
سيدي الرئيس،
إن الازمة الاقتصادية للبلاد مردها أسباب سياسية بالدرجة الأولى فلم يتعطل جهاز الانتاج لاضطراب في العرض والطلب أو لأي سبب اقتصادي آخر وإنما بسبب تراجع الاستثمار جراء تدهور الأوضاع الأمنية وتردي المناخ الاجتماعي الذي ساده التوتر وعدم الاستقرار. لقد فقدت البلاد سنة 2017 موقعها من بين الدول العشر الأول في إفريقيا من جهة جلب الاستثمار وتقهقرت إلى الرتبة الثالثة عشرة فيما احتل المغرب الشقيق المرتبة الأولى.
فمعالجة مثل هذه الأزمة لا تتطلب حلولا تقنية بقدرما تتطلب حلولا سياسية. إن أزمة البلاد تكمن في نقص الكفاءة.والكفاءة السياسية تقوم على المقدرة القيادية وتفترض المعرفة المباشرة بالاوضاع والقدرة على تحديد أولويات العمل وعلى تعبئة الموارد البشرية والمادية لبلوغ الأهداف في أفق زمني معين. وأولويات البلاد تكمن اليوم في تحقيق شرطي النهوض الاقتصادي ألا وهما تعزيز الأمن، وتحقيق الاستقرار من خلال عقد اجتماعي تصوغه كل القوى المعنية وترعاه الدولة. كما تكمن في تحقيق الأولويات الثلاث ألا وهي النهوض بالتعليم والتكوين والبحث العلمي لإعادة البلاد إلى سكة التطور، في عصر قوامه العلم والمعرفة والثورة الرقمية. أما الأولوية الثانية فتكمن في النهوض بمنتوجنا الصناعي على أساس البحث والتجديد لإكساب صادراتنا القيمة المضافة والقدرة التنافسية في عالم مفتوح قائم على اقتصاد المعرفة، دون أن يعني ذلك السهو عن الخدمات المنتجة والفلاحة المجددة. أما الأولوية الثالثة فتتمثل في التنمية البشرية وخاصة في الجهات الداخلية حتى يعم الانصاف وتكافؤ الفرص وتتوفر شروط الاستثمار في ربوع البلاد ونحول بلادنا كما قال أحدهم إلى « تونس-الساحل » من الحدود الغربية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وهي في الحقيقة ساحل واحد لا يزيد عمقه عن مائتين وخمسين كلم.
إن تحقيق هذه الأولويات يتطلب خطة عشرية، وككل خطة فهي تبدأ منذ الآن أو لا تكون، وهي كالشجرة المباركة تعطي أكلها سنة بعد سنة حتى تبلغ كامل عطائها، فتحقق بلادنا شرطي الامتياز والأنصاف في غضون عشرية واحدة وهو ما دأبت عليه منذ استقلالها وباتت بفضله مضربا لمثال النجاح في محيط لم تسعفه ثرواته البترولية.
سيدي الرئيس،
ليست خافية صعوبات الوضع من جميع أوجهه، السياسية والأمنية والاجتماعية ولا هي خافية الضغوطات على مالية الدولة وعلى توازنات البلاد وندرة الموارد، ولكن الكفاءة السياسية التي تحتاجها البلاد تتمثل بالذات في القدرة على تحقيق شروط التغلب عليها. وفي مقدمة هذه الشروط التغلب على الفئوية والشعبوية التي تسيء إلى بلادنا أيما إساءة، كما تتمثل في ضرورة التغلب على الانقسامات التي تنخر نخبتنا السياسية ومؤسساتنا التمثيلية وليس لنا في هذا المجال سوى الاعتماد على الرأي العام الذي بدون كسبه لا يكتب أي نصر في أية معركة، والاعتماد ثانيا على قواتنا العسكرية والأمنية التي تضحي بالغالي والنفيس من أجل أمن بلادنا ولا تتطلب سوى الإيمان بقيادة تكون حقا في خدمة الوطن وليس في خدمة المصالح الشخصية أوالفئوية أوالحزبية لأي طرف من الأطراف.
سيدي الرئيس،
إني ما اعرفه فيكم من فائق الإلمام بمشكلات البلاد وأولوياتها كما يبدو ذلك جليا من تدخلاتكم وكتاباتكم يجعلني أثق في قدرتكم على أخذ المبادرة اللازمة لاخراج البلاد من الظلمة التي أصبحت فيها ولفتح بريق الأمل في وجه أبنائها. إني أعتقد أن الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها ليس من شأنها حل مشكلات البلاد فهي دعوة لا تقوم على أساس دستوري وهي في ظل أزمة ثقة المواطن في السياسة والسياسيين لن تلد مشهدا أحسن من المشهد الحالي. وأنا من الذين يؤمنون ويعتزون بما حققناه من بناء سياسي ديمقراطي سيذكره التاريخ لجيلنا وأعتقد أنه لا حل من خارج النظام السياسي الذي خرج من صناديق الاقتراع، على علاته، وأن كل محاولة للخروج عليه لا تفتح الباب سوى للمغامرة واخطار الاحتراب الأهلي وأنا ممن يعتقدون أن مركز السلطة يقع بين أيديكم بما لكم من تفويض شعبي وما بوأكم الدستور من موقع على رأس الدولة، وقد حملكم فيما حملكم مسؤولية الأمن القومي لبلادنا. وأمننا القومي مهدد كما لم يحدث له من قبل وهو ما يحملكم مسؤولية الخروج بحل يرتقي إلى مستوى التحديات ويفتح باب الأمل في وجه التونسيين والتونسيات.
إن الوقت يداهمنا وإنها لمسؤولية أمام الله والوطن.
دمتم بخير ووفقكم الله وسدد خطاكم.
أحمد نجيب الشابي