منبر: تحوير وزاري تحت جنح الظلام: حكومة ضعيفة مرتبكة خاضعة لقوى خفية

عبد المجيد المسلمي
( عضو المجلس المركزي للجبهة الشعبية)

في ظرف 8 أشهر منذ تنصيبه أجرى رئيس الحكومة تغييرات على 4 وزارات و هي وزارة الشؤون الدينية والوظيفة العمومية و التربية و المالية. هذه التغييرات القياسية و المتواترة و التي تضر بالمرفق العام و بمصالح المواطنين تبين بوضوح هشاشة الحكومة وارتباكها وعجزها على إدارة الشأن العام. ولا يزال الرأي العام لا يعرف رسميا ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه التغييرات مما يؤكد غياب الشفافية في عمل الحكومة ويفسر كثرة التخمينات والإشاعات . ثم يأتي رئيس الحكومة ويشتكي من غياب الثقة بين الشعب والحكومة. فكيف تبنى الثقة بدون مصارحة المواطنين بكل الحقيقة ؟؟؟

هيبة الدولة في مهب الريح
على عادة الرئيس المخلوع بن علي الذي كان يعلن الإقالات و الزيادات في الأسعار أيام العطل دأبت الحكومة على إعلان إقالة الوزراء في نهاية الأسبوع (وزراء الوظيفة العمومية والمالية و التربية). وإذا كانت إقالة وزير التربية مطروحة على الطاولة منذ فترة فقد شعر المواطنون بصدمة كبيرة والحال أن هذه الإقالة تأتي قبل ما يقارب الشهر من الامتحانات الوطنية و خاصة الباكالوريا وهو رهان كبير لما يقارب 500 ألف مواطن بين تلاميذ وأولياء. و لا يهم رئيس الحكومة كثيرا أن يلقي بهم في أتون الحيرة و الانشغال مما يزيدهم ضغطا على ضغط و تشنجا على تشنج... فلماذا الاستعجال يا ترى؟؟؟ ولماذا لم يترك الأمر إلى عطلة الصيف بعد أن تكتمل الامتحانات في أجواء عادية و يمكن الوزير القادم من أن يحضر سنته الدراسية بهدوء.. فإذا ارتكب وزير التربية خطأ جسيما يتطلب إقالته الفورية فعلى السلطة أن تعلم الرأي العام بذلك.. و لكن يبدو أن مصلحة التونسيين هي أخر اهتمامات هذه الحكومة. و الأدهى و الأمر أن برنامج «لمن يجرؤ فقط» المسجل منذ يوم الجمعة أظهر بالكاشف أن الصحفي سمير الوافي على علم بإقالة الوزير في حين لا يعلم هذا الأخير بذلك. مما يبين أن التسريبات هي المصدر الأساسي الخبر وأن أسرار الدولة أصبحت على قارعة الطريق.

وفي الأربع مرات التي تمت فيها إقالة الوزراء لم يتم تعيين وزير جديد. فقد بقيت وزارة الشؤون الدينية بضعة أشهر قبل نعيين وزير..أما بالنسبة للوظيفة العمومية فقد خير رئيس الحكومة الحل الأسهل لديه (والمضر طبعا بالدولة و المواطنين) وهو إلغاء وزارة الوظيفة العمومية عملا بالمثل القائل «الباب الذي يأتيك منه الريح إغلقه و استريح»..اما بالنسبة لوزارة المالية و التربية وهي حقا وزارات سيادة فلا أحد يدري متى سيتم تعيين وزراء. وقد ننتظر كثيرا قبل اتفاق الأطراف و اللوبيات على تقسيم الجبنة. فمن ضمن القواعد الأساسية للحوكمة الرشيدة هو تحديد البديل قبل الإقالة حتى تستمر أعمال الدولة. ولكن أين الحكومة الحالية من الحوكمة الرشيدة؟؟؟. ونتمنى أن لا تسقط الحكومة في نفس خطإ تعيين خليل الغرياني الذي تراجعت عنه بعد أيام.. فالأمر كاد أن يصبح مهزلة وطنية بجميع المقاييس.

قوى خفية تسيطر على الحكومة؟؟؟
لقد انتقد التونسيون و منهم الجبهة الشعبية تصريح وزيرة المالية التي تسببت في انزلاق للدينار وفي فوضى في السوق المالية. و لكن هل يكفي هذا لإقالة الوزيرة في دولة تحترم نفسها؟؟؟ أم لأنها صرحت بصورة عفوية و ربما ساذجة بحقيقة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ( انزلاق الدينار إلى حدود 3 أورو) في حين أراد البعض إخفاءه؟؟؟ أم هنالك احتمال لأسباب أخرى؟؟؟ لا شك أن وزيرة المالية الحالية أظهرت حزما كبيرا في مقاومة التهرب الضريبي خلال تقديم مشروع ميزانية 2017. و قد ساندت الكتلة البرلمانية للجبهة الشعبية أجزاء من تمشي الوزيرة في مقاومة التهرب الضريبي ويتذكر الجميع كيف تصدت لها اللوبيات القوية داخل المجلس وحجمت مشروعها و أضعفته.. فهل أن التوجه نحو التشدد في المراقبة الجبائية الذي تبديه الوزارة والذي أصبح يقلق بعض اللوبيات هو الذي تسبب في إقالة الوزيرة؟؟؟ فلا أحد يصدق أن إقالتها هي نتيجة لتصريح تلقائي صدع بصوت عالي ما يهمس البعض به في مجالسهم.

و قد صرح مسؤولون سابقون في أعلى مستوى بأن إقالة الحبيب الصيد جاءت على خلفية رفضه امتيازات للوبيات تابعة لقصر قرطاج. وقد صرح عبيد البريكي بأنه بدأ يقكر بالاستقالة عندما بات واضحا لديه أن الحكومة تخضع للوبيات قوية تمنع أي محاولات للإصلاح و الرقابة و مقاومة الفساد. أما بالنسبة لوزير التربية و على خلاف ما يذهب له البعض فلا نظن أن مطالبة نقابات التعليم هي السبب الرئيسي لإقالته. فهل هنالك تخوف من شعبيته؟؟ أم أن أصوله التقدمية واليسارية تحرج قيادة نداء تونس التي تريد تقديم المزيد من التنازلات لحركة النهضة؟؟ تذكيرا بأن شعبية وزير الصحة السابق سعيد العايدي و تصديه للوبيات في قطاع الصحة سارعت بإقالته.

خلاصة القول بأن حكومة ائتلاف النهضة والنداء ورغم قصر عمرها أصبحت مرتبكة وضعيفة وتحت سيطرة قوى متنفذة تخدم مصالحها. وما على التونسيات والتونسيين وهم على أبواب انتخابات محلية تاريخية ومهمة إلا أن يعاقبوا عبر صندوق الإقتراع من خان وعوده وغلب مصالحه الضيقة على مصالح التونسيين ويصوتون لقوى جديدة اثبت التاريخ إخلاصهم لقضايا الشعب والوطن وافتدوه -حقا لا زيفا وبهتانا- بالروح وبالدم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115