أجمع الملاحظون أيضا على أن الحل يكمن هيكليا في القيام بإصلاحات ظرفية وأخرى جوهرية نسمع بها يوميا الى حد الملل. ولا تسمع الا «ما على الحكومة الا فعل كذا» و«ينبغي أن» و«يجب أولا». ما لم يقله اخصائيو الاقتصاد المحترمون هو أن المشكل سياسي أساسا. الرئاسة في سبات عميق، والحكومة عاجزة عن انجاز ما تريد والدولة مكبلة بقيود من حديد والتونسيون ضربهم «بوتليص» جماعي.
نحن نأكل منذ 14 جانفي ولا نزرع، نستهلك ولا ننتج، نطالب ولا نضحي. نحن خرجنا من ذل الى ذل، من دكتاتورية مذلّة الى شعب متسول كونيا. هذا يقترضك لكي تقترض من غيرك، وذاك يمهلك مهلة وآخر يحول مديونيته الى نوايا استثمار. والأدهى والأمرّ هو أننا نعتبر سخاء الدول الصديقة والشقيقة حقا واستحقاقا. ألم نقم بثورة أبهرت العالم؟ فليدفعوا اذن.
تتعاقب الحكومات منذ 14 جانفي ولا أحد منها طالب التونسي أن يشمّر الساعد ويستعد للعمل. وكلها رضخت وكلها تنازلت وكلها أرجأت اتخاذ القرارات الجريئة الى الحكومة الموالية. وكلها تعتبر أنها حكومات ناجحة. من الغنوشي الى الشاهد. الى درجة أن المهدي جمعة أسس حزبا معتمدا على نجاحه الباهر في الحكومة، هكذا.
فلنصارح أنفسنا. تونس تحكمها طبقة سياسية غير قادرة لألف سبب على القيام بإصلاحات مهما كان حسن استعداد الحكومة. طبقة غير مسؤولة. مقسمة من جهة من شعوبيين فوضويين الى الأبد ثائرين ومن انتهازيين غير جديين سماسرة مراهقين. ورئيسين داهيتين الأول كسول والثاني ينثني ولا ينحني وكلاهما ينظر للمستقبل بعيون الماضي. همهما الوحيد إدارة التوازنات. وهم الى حد الآن ناجحون في ذلك. والتوازنات لا تصنع سياسة. وتونس ألعوبة بينها. خاسرة ذهابا وايابا. الى أن تزلزل الأرض زلزالها.