حديث الأنا: هل كلّ ما يأتيه الشعب هو صواب؟

هل كلّ ما يأتيه الشعب هو صواب؟ هل الشعب دوما على حقّ، على صراط مستقيم؟ لا أعتقد. في نظري، ما يأتيه الشعب فيه اعوجاج وسوء. أحيانا كثيرة، تجتمع على ضلالة الأمّة...


على خلاف ما أرى، ألقى بعض النخب والأحزاب واتحاد الشغل نصيرة للشعب، دائما وأبدا، مناصرة. هم يتّبعون خطاه، يساندونه، يمشون خلفه. لأنّ الشعب هو الأغلبيّة وهو المستضعف، ترى الناس من سياسييّ الأحزاب والمنظّمات تقف لجانبه... مع الثورة، ازداد الشعب مكانة وبعضهم أراه يقدّسه. ان قال الشعب فلا مردّ لقوله. ان غضب غضبت الأحزاب وكشّرت المنظّمة. ان تظاهر تضطرب السلط... لماذا أصبح الشعب «مقدّسا»؟ هل كلّ ما يأتيه هو صواب لا ريب فيه؟

أنا لست ممّن يرى هذا ولا أومن بأنّ الجماعة هي الحقّ والمحقّة وأنّ الناس المستضعفين هم دوما على هدى، في السبيل الأقوم. لعلّي أعتقد، وقد سكن الشعب تقاليد باليّة وأعمت العادات بصيرته، أنّ فعله غالبا سيّء. فيه ظلاميّة وتحجّر...

أنا أخاف الشعب لمّا يتجمّع، لمّا يخرج، يصرخ. أحيانا كثيرة، أرى في صخب الشعب فوضى تعطّل، تؤذي ولا تسمن... هل أنا رجعيّ؟ هل أنا بورجوازيّ للشعب عدوّ؟ هل أنا مثقّف هزّه الرياء وشدّه الغرور؟ لا أدري. قد يكون. على كلّ حال، كلّما هاج الشارع وكان الحرق وقطعت الطرق، يتجلّى عندي ما أحمل. أرى الشعب جذوعا يابسة. أراه مطيّة لتحقيق ما خفي من مشروع... من المبالغة القول ان الشعب دوما على خطإ وأنّ ما يأتيه هو دوما سيء. من المبالغة القول أيضا ان الأمّة لا تجتمع على ضلالة وأن فعلها هو الأبقى والأفضل...

منذ الثورة، كثر الصراخ. في كلّ اسبوع، يخرج شعب، في جهة، ينفخ غضبه، يطالب بالشغل، بالتنميّة... في الأيّام الماضيّة شدّ لهيب الغضب تطاوين. خرج الناس يطالبون، يعطّلون، يحتجزون... هل أخلّت الدولة في حقّ تطاوين؟ لا أعتقد بل لعلّ الدولة أعطت أكثر ممّا تقدر. هل لشعب تطاوين الحقّ في ما هو يفعل؟ لا أعتقد. ما أتاه شعب تطاوين هو تجاوز لا ينفع... رغم ما كان من فيض، لا أحد من الأحزاب صدّ المحتجّين أو ندّد أو لامهم على ما هم يفعلون. ساندت المنظّمة الشغّيلة كعادتها شعب المحتجّين... كان على الدولة ان تتخذ ما يلزم من قرار لردّ التجاوز. كان على الأحزاب والمنظّمة أن تقول كفى لمثل هذا الهرج. كان على النخب أن تقول لا لمثل هذا السوء...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115