لا أدري لماذا نحن في مثل هذا الغرور؟ لا أتبيّن سبب هذه النرجسيّة وسرّ هذا الرضا التامّ في حين يشكو المجتمع التونسي من عديد العاهات وفيه خور وفقر وجهالة...تونس بلد متخلّف وللخروج من التخلّف يجب أن ينتهي التونسيون من مثل هذا الغرور الضارّ.علينا أن نرى ما نحن فيه من بؤس، من رداءة. إن أردنا التطوّر، إن شئنا أن نرتقي ونمشي الى العصر، يجب أن نعيد النظر، أن نتبيّن ما في الأنفس من وهن وأدران...
في ما يلي أسوق ثلاثة أمثلة فيها دليل على ما نحمل من سوء، من لامبالاة، من ضياع.
الحدث الأوّل له صلة بالتوريث في الشغل. بعض النقابات في المؤسّسات وفي الدواوين وفي الوزارات تدعو ببلاغات صريحة وممضاة أنه يجب انتداب العاملين والاطارات بحسب الروابط الدمويّة. تدعو النقابات، بعضها، الى حصر الشغل في أبناء الشغّالين دون سواهم. كذلك، في نظر النقابات، يكون القطاع العامّ حبسا مغلقا لشغّاليها ولأبنائهم. البيت لساكنه وأهل البيت أولى من سواهم...مثل هذا التوريث للشغل كان في البداية محتشما ورأيناه خاصّة في قطاع القضاء، في الصيدليّة، في السياسة... مع البطالة الضاربة، أصبحت النقابات بعض تطالب جهرا بالتوريث وتتفاوض مع السلط وتصدر البلاغات لتؤكّد أحقّيّة الشغل لأبناء من كان بعد شغّالا. بعض النقابات أضربت واعتصمت وهي تعلم أنّ التوريث مخالف للقوانين وللسنن وللأعراف...
الحدث الثاني له علاقة بالتعليم العالي وما يحصل فيه من عبث ومن تباطيء.(لا أدري لماذا تسكنني الجامعة. في كلّ مرّة أكتب ألقى أمامي قائما وجه الجامعة.) في حديث مع وزير التعليم العالي الجديد، قال إن لجان الاصلاح الجامعي انطلقت في النظر في إصلاح الجامعة سنة 2012. بعد عديد اللقاءات والمشاورات تمّ سنة 2015إنجاز مشروع الاصلاح. هذا المشروع، كما كنت كتبت إبّان صدوره، هو مشروع فضفاض، هو إنشاء، لا يصلح للإصلاح... في أحاديثه، أكّد الوزير أنّ في منتصف سنة 2017 ستعود اللجان الى الاجتماع لتفعيل المشروع والانطلاق فعليّا في الاصلاح... منذ سنة 2012 الى يوم الناس هذا، مازالت وزارة التعليم العالي في التشاور مع الأطراف. منذ نحو ستّ سنوات ونحن نتفاوض وننظّم اللقاءات وندفع بالمشاورات تلو المشاورات دون أن ترى الجامعة إصلاحا واحدا. في انتظار التفعيل وبعد اجتماعات اللجان ومشاركة الأطراف...ها هي الجامعة تمشي بخطى ثابتة الى مزيد الضياع...
الحدث الثالث له علاقة بما يأتيه بعض الناس المتديّنين في هذه البلاد. قال صاحبي وأكّد قوله آخر. في سوسة، في السنة الماضيّة، كان أن التقى كهل يبيع حلوى ولبّانة أمام المدارس بتاجر يبيع موادّ غذاء. كان البائع والتاجر صديقين يصلّيان معا، بانتظام،في نفس المكان. كانا يتبادلان الرأي وكلّ يقول ما يجب فعله حتّى تخلص القلوب ويصفو الإيمان... مرّة حصل خلاف. قال البائع «إن أمّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يلحقها القرآن وماتت غير مسلمة وبالتالي مصيرهاالنار». قال التاجر «لن تمشي أمّ الرسول الى النار ولسوف يشفع لها ابنها وهو على ذلك قادر».تمسّك كلّ برأيه هل احتدّ النقاش فقال التاجر علّه يفحم صاحبه الناكر «هل تعتقد أيضا أنّ سوف تحشر مريم أم عيسى في النار؟» قال البائع المنكود «نعم. ذاك مصير كلّ من لم يتّبع دين الاسلام وذاك ما جاء في القرآن». غضب الرجلان ومشى كلّ في اتجاه. بعد أيّام ذبح البائع من الوريد الى الوريد وتم القبض على التاجر. لم ينكر التاجر ما فعل وقال إنّ البائع هذا من المرتدّين الكفّار وحكم المرتدّ الكافر هوإهدار دمه في الحال. ذبح البائع وترك من بعده سبع صغار وحبس التاجر في إحدى سجون البلاد...