في قصة "البحث عن وطن" لهذباء غويلي: دروس الوطن والموطن

تتوالى منشورات الكاتبة والقاصة التونسية هذباء غويلي

وها هي تنشر ضمن سلسلة" المنارة لأدب الطفل" قصتها "البحث عن وطن" طارحة مسألة الوطن والموطن وتفاصيله والعيش فيه والعلاقات التي تربط متساكنيه فيما بينهم أولا وبين راعيهم وغيرهما من الغرباء مع رسائل وحالات وأحوال اخرى . ومن العنوان كعتبة في القراءة والتحبير يدخل القارئ - الطفل مجال التساؤل والحيرة فعادة نبحث عن الوطن الذي ننتمي إليه ونطلب العودة إليه بعد سفر أو غربة أو إبعاد أما البحث عن وطن نكرة يجرنا للحديث عن ما هي وسائلنا للبحث عنه؟ وهل نوفق في إيجاد وطن ؟ ليكتمل البحث وتكتمل العلاقة الحميمية بين البشر والوطن ؟ وقبل البحث هل كنا بلا وطن ؟ أم كان لنا وطن وضيعناه لنعوضه بآخر؟.

هذه الأسئلة سيجد لها الطفل – القارئ أجوبة ضافية مريحة رغم قساوتها وعنفها إذ الوطن غال. وعندما يكون الحديث على لسان الحيوان غالبا ما تحضر الجدة وأحاديثها الشيقة وأساليبها البلاغية ومسار حكايتها والدروس التي تقدمها وهذا حال قصة " البحث عن وطن" التي نستمع إليها على لسان الجدة بعد إشكال الخطأ في رسم البنت خريطة بلدها ولم ترى في ذلك إشكال نظرا لصغر سنها وعدم فهمها لعالم الأوطان والأراضي ولتقريب هذا المفهوم وهذه العلاقة بالأرض والوطن كانت هذه الحكاية والقصة الجميلة كما قالت الجدة .
واختارت الجدة عالم البحار والمحيطات هذا العالم الفسيح والواسع ليكون إطارها المكاني مع زمان مغيب ولم يذكر وحديث الممالك والصراعات التي كانت تدار من أجل بسط النفوذ واحتلال الأراضي والتوسع لتقدم مثال الملك العادل المحب لشعبه والمشيد للجسور والسدود والمعامل والمصانع وكل مظاهر التقدم والتمدن مع الأمن والأمان وتوفير سبل العيش الكريم كما قال النص " ولم يترك مشردا إلا آواه ولا عليلا إلا داواه". ولتقريب الصراع والغزاة ومطامعهم أدخلت الجدة معطى أخلاقي مهم هو الحسد كمضمون للصراع وحطبه وهذا يقرب مفهوم التناحر والحروب للطفل الذي لن يستوعب مظاهر الصراع الأخرى كالاحتكار وفرض السيطرة والاستعمار.
وبالمقابل هناك مملكة أخرى جربت الحروب وانهزمت لمكر ودهاء ملك السلمون ففكرت في طرق أخرى ووسائل جديدة لفك ارتباط الراعي برعيته تعتمد توتير الأجواء ليحل محلها السخط محل الرضا كما سادت الضغينة محل التسامح بعد أن توطدت علاقة أعداء البارحة الأسماك النارية ذات الأشواك السامة بأهالي المملكة الطيبين الذين قبلوا مشاركتهم مشربهم ومأكلهم مادام الخير وفيرا .
واستطاعت حيلهم الخبيثة أن تجند ضرغام وغيره ووعدهم بأرض أخرى بها الخيرات والنعم الكثيرة حتى تمكنوا منهم وحصلت القطيعة بين الملك ورعيته وكان الدرس قاسيا أنهى بهاء هذه المملكة وعمرانها وأمنها وموت ملكها الذي اجتهد مع وزيره رستم للحفاظ على مملكة الأجداد معبرا عن ذلك أن الأرض تاريخ وأجداد وهوية وما فاته قائلا" سامحوني على ما فعلت لقد تهاونت في تعليم السكان معنى حب الوطن والدفاع عنه لقد تهاونت في تعليمهم معنى التمسك بهويتهم وتاريخ أجدادهم " وقلقه لأن المعركة غير مكشوفة وعن بقية الرسائل والعبر أن تشبث طفلين بكوخهما وهو صورة مصغرة عن وطنهم رغم تعذيب الحاكم لهما والتنكيل بهما في الوقت الذي فقد البقية وطنهم الأم وباءت رحلتهم بالفشل الضريع وسخرية كل من في البحر منهم بعد ضياعهم وتفريطهم في أرضهم ووطنهم وعاقبة الخيانة الموت البارد لضرغام الذي قد م خدمات جليلة وخيانات عديدة للأسماك النارية آملا أن يصبح مستشارا لملكهم .
كما حضرت الطفولة برأي سديد وحكمة الكبار في تمسكهم بالوطن وفي تتبع الخونة والجواسيس وهذا ما نحتاجه في قصص الأطفال أن تمكنهم من مواقف وفواعل تكون هامة ومحددة في القصص التي نكتب لا أن يكونوا مستهلكين فقط .
إن نص " البحث عن الوطن" للهذباء غويلي استقدم عوالم الممالك والصراعات لتمرر رسائل حب الوطن والموطن كأولى الدروس التي يجب أن يتعلمها الطفل بعد حب عائلته والأقارب وكان الضياع والبحث والسخرية لمن فرط في أرضه وهويته وتاريخه ليفقد حاضره ومستقبله إذا تمكن منه الجشع والطمع.
بقلم: طارق العمراوي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115