من أهم التظاهرات العالمية التي بادرت بها منظمة اليونسكو. وخلال هذا المؤتمر الذي نظم لأول مرة في أمريكا اللاتينية تم تداول مواضيع هامة، قد سبق نقاشها في ندوات جهوية بداية من سنة 1970 بمدينة البندقية.
وشاركت في «موندياكولت» مكسيكو 1982 كل الدول المنخرطة في منظمة اليونسكو والعديد من المنظمات غير الحكومية كما تم أيضا استضافة «OLP» منظمة التحرير الفلسطينية، إذ كان حضورها السياسي متميزا وجريئا وتدخلها بخصوص ما يحدث آنذاك في لبنان من اعتداء وحصار بيروت وطرد ونفي وقتل الفصائل الفلسطينية من طرف الكيان الصهيوني.
ومن الملفت للانتباه أن «موندياكولت» التي ستنعقد في برشلونة هذه السنة ستجد وضعية مماثلة للتي ذكرناها ألا وهي حصار وتجويع وتدمير شامل لقطاع غزة وتجويع سكانها من طرف نفس الكيان ونتساءل كيف سيكون موقف «موندياكولت: برشلونة 2025 من الإبادة الجماعية التي أثارت موجة احتجاج في كل أنحاء العالم؟
أما المحاور التي تم طرحها في هذا المؤتمر تمثل حسب اعتقادي نشأة وعي جديد بأهمية دور الثقافة في المجتمع بمضمونه التاريخي والسياسي والفكري والحضاري.
وتبين من خلال العديد المداخلات أن أغلب شعوب العالم الثالث تناضل من أجل المحافظة على هويتها الثقافية التي مازالت مستهدفة من طرف الحركات الاستعمارية والإمبريالية كما بينت هذه المداخلات أنه لم يحصل أي تغيير عميق في العلاقات الدولية حيث لازالت منظمة الأمم المتحدة تخضع لما تقرره الدول التي تتمتع بحق الفيتو.
وأبرزت مداخلات أخرى أهمية المحافظة على التراث المادي واللامادي المحلي الذي يمثل جزء من التراث الإنساني المشترك الذي يؤكد على ضرورة احترام التعددية الثقافية وتنوعها وتوظيفها في تدريب المواطن والشعوب على قبول الآخر والالتزام بالحوار السلمي.
كما تعرض المؤتمر إلى دور الديانات وعلاقتها بالثقافة والتنمية الثقافية وأكدت المداخلات في هذا المجال على ضرورة ترسيخ الحقوق الثقافية واحترام ثقافة الأقليات التي تعتبر من أهم العناصر المكونة للثقافة الديمقراطية. وتم التأكيد أيضا على أن «الديمقراطية السياسية» تحتاج إلى مشاركة مجتمعية تمكنهم من المساهمة في تصورها وتأسيسها.
وأصرت العديد من المداخلات على أن الديمقراطية لا تقتصر فقط على القوانين والهياكل الدستورية لأن أهدافها الحقيقية تتمثل في رفع مستوى العيش بصفة متواصلة لكل أفراد المجتمع.
ثم تقدم المؤتمر بتوصيات تدعم مقاومة العنصرية بكل أنواعه وخاصة الميز العنصري l’apartheid كما تم التأكيد على ضرورة احترام حقوق الانسان وحرية التعبير في كل المجتمعات.
في نهاية الجلسات تم التذكير بالوضع المأساوي الذي تمر به العديد من الشعوب المستعمرة وخاصة منها الشعب الفلسطيني.
وتعرض المؤتمر إلى كافة المواضيع التقليدية التي تعنى بها منظمة اليونسكو: علاقة الثقافة بالتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والاتصال والاعلام والصناعات الثقافية والتعاون الثقافي وحماية التراث المادي واللامادي...
ونشير أننا استمعنا إلى خطب رائعة في السياسة والثقافة من طرف كل من المدير العام لليونسكو آنذاك مختار أنبوب، والأب أرنستو كاردينال وزير الثقافة بنيكارغوا، وميلينا مركوري وزيرة الثقافة في اليونان بعد الإطاحة بالحكم العسكري، وفرناندوا سولانا وزير التربية في مكسيكو...ونددت هذه الخطب بالاستعمار المتواصل في إفريقيا وبالأنظمة الدكتاتورية والعسكرية الشعبوية والميز العنصري ونادت باحترام الحريات وحقوق الانسان وفتح الأبواب «لزمن الشعوب».
وكان الوضع عند تنظيم مؤتمر موندياكولت مكسيكو 1982 يحمل أبعاد تفاؤلية أسست لها حركات فكرية واجتماعية مع انتصار الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية في عديد الدول. وبدأت دول أمريكا اللاتينية تخرج تدريجيا من الدكتاتورية والشعبوية كما ظهرت في كل دول إفريقيا وآسيا حركات سياسية تنادي بالحرية والاستقلالية ومحاكمة العبودية كأسوأ مظهر من مظاهر استعمار وقمع الشعوب.
إن هذا التلخيص لأهم ما جاء في «موندياكولت» مكسيكو 1982 يجعلنا نتساءل ماذا تغير منذ ذلك الوقت؟
ونتساءل اليوم ماذا تغير بعد 43 سنة أي منذ انعقاد مؤتمر «موندياكولت» مكسيكو 1982 إلى اليوم وذلك قبل أيام فقط من انعقاد «موندياكولت» في برشلونة أكتوبر-نوفمبر من سنة 2025؟
1 - الأمم المتحدة لا تزال تحت سلطة (الدول العظمى) من خلال حق الفيتو في تقرير مصير الشعوب.
2 - تراجع الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية وانتشار السياسات الشعبوية والاقصائية والأنظمة الدكتاتورية.
3 - الشعب الفلسطيني ما زال يعاني من الاستعمار والميز العنصري والتجويع والإبادة الجماعية.
4 - تكاثر الحروب وبذلك تزايد صناعة وتسويق الأسلحة...
هذه الملاحظات السريعة تفرض أسئلة أكيدة يمكن تلخيصها فيما يلي:
هل ستنظم وقفة احتجاجية للتنديد بالإبادة الجماعية في فلسطين؟
هل سيتم التنديد بتزايد الحركات اليمينية المتطرفة في العالم؟
هل ستطرح موندياكولت القادم في برشلونة: كيف سيكون مستقبل الشعوب تحت الأنظمة الديكتاتورية والشعبوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة في كل أنحاء العالم؟
أو ستنحصر مداولات هذا المؤتمر فقط على المواضيع التقنية الفنية التقليدية التي تعنى بها منظمة اليونسكو.
بقلم: فتحي التليلي