الشرق الأوسط في قلب العاصفة: عشر حقائق لفهم المشهد

يمر الشرق الأوسط بلحظة تاريخية حاسمة تتشابك فيها الأزمات والصراعات

لتخلق واقعًا أكثر تعقيدًا من أي وصف مبسط أو تحليل عاطفي. من المحيط إلى الخليج، تثار في الشارع العربي وأروقة النخب الثقافية والسياسية قراءات غالبًا ما تتسم بالتبسيط المفرط، متخذة أشكالًا ثنائية بين الخير والشر، العدو والصديق، والحق والباطل. لكن هذه المنطقة، التي لطالما كانت ملتقى الحضارات ومسرحًا للصراعات، تنطوي على ديناميكيات متعددة الأبعاد يجب فهمها بعمق. في هذا المقال، نطرح عشر حقائق محورية تساعد على التقاط الصورة وتحليل التطورات الراهنة.

1. إسرائيل: قوة عسكرية وتكنولوجية لا يمكن تجاهلها، ولكن بثمن إنساني وسياسي باهظ
تمتلك إسرائيل قوة عسكرية وتكنولوجية متقدمة، لا سيما في التفوق الجوي والدفاع السيبراني، مما يمنحها موقعًا بارزًا بين دول المنطقة. هذه القوة مكنتها من فرض واقع أمني غير متوازن، يعتمد على التفوق العسكري والتدخلات المتكررة في الأراضي الفلسطينية. لكن هذا التفوق لا يعفيها من المسؤولية عن الحصار المستمر، الاستيطان، والسياسات المؤدية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة والضفة الغربية. القوة العبرية، رغم الانتقادات الأخلاقية والسياسية، تظل عاملًا أساسيًا في فهم موازين القوى بالشرق الأوسط، لكنها أيضًا مصدر مستمر للتوتر والصراع.
2. الولايات المتحدة: دعم راسخ لإسرائيل يتجاوز الانقسامات الحزبية
تُعد العلاقة بين واشنطن وتل أبيب من أكثر التحالفات رسوخًا في السياسة الدولية، حيث يتجاوز الدعم الأمريكي الاعتبارات الحزبية أو الانتخابية. فمنذ تأسيس الدولة العبرية، شكّلت الولايات المتحدة مظلتها الاستراتيجية الأهم، بالدعم العسكري، والفيتو الأممي، والمساعدات السنوية. هذا الارتباط لم يتأثر بتبدل الإدارات، بل تعزز على مرّ العقود، وأصبح جزءًا من العقيدة الأمنية الأمريكية في المنطقة. ورغم بعض الأصوات المنتقدة داخل الحزب الديمقراطي، فإن بنية الدولة العميقة في واشنطن لا تزال ترى في إسرائيل حليفًا لا غنى عنه، في مواجهة النفوذ الإيراني، وضمان أمن الملاحة، ومراقبة التحولات الإقليمية.
.3. أوروبا: مواقف داعمة لإسرائيل رغم التعقيدات السياسية والإنسانية
في كل مرة تتعرض إسرائيل لهجوم، يعلو صوت أوروبا مدافعًا عنها، مدينة الهجمات التي تواجهها بسرعة. تعكس هذه المواقف مزيجًا من الذكريات التاريخية، مخاوف معاداة السامية، والمصالح السياسية والاقتصادية. لكن هذا الدعم القوي يثير توترات في الأوساط العربية والأوروبية على حد سواء، حيث يشعر الشارع العربي بالإحباط من غياب مواقف متوازنة تأخذ في الاعتبار معاناة الفلسطينيين، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الحفاظ على استقراره الداخلي وتوازنه السياسي.
4. إيران: نظام مركزي صلب يواجه تحديات داخلية وخارجية
يعتمد النظام الإيراني على هيكل مركزي يحكمه المرشد الأعلى، مما يخلق توازنات داخلية هشة. هذه التوازنات تعزز صلابته الظاهرية، لكنها تحد من مرونته. رغم امتلاك إيران قدرات عسكرية ملحوظة، خاصة عبر أذرعها الوكيلة في المنطقة، فإنها تعاني من تأخر تكنولوجي عسكري، مما يدفعها إلى اعتماد استراتيجيات تقليدية مثل الحروب بالوكالة. تزيد التحديات الاقتصادية والسياسية من تقييد حركتها في محيطها الإقليمي.
5. الأردن ولبنان ومصر: أولويات وطنية تتقدم على القضايا الإقليمية
في هذا المثلث العربي المحيط بفلسطين جغرافيًا، تتخذ الدول مواقف تحكمها مصالحها الوطنية والاستقرار الداخلي. رغم مكانة القضية الفلسطينية في وجدان شعوب هذه الدول، تعطي الحكومات الأولوية لحماية سيادتها وسلامة أراضيها، خشية أن يؤدي أي تدهور أمني إلى انهيارات سياسية أو اجتماعية. هذا الواقع يمنعها من تقديم دعم علني وفعلي يتجاوز الطابع الرمزي للقضية الفلسطينية.
6. العراق: واقعية محدودة وسط أذرع تأثير متعارضة
يعاني العراق من تداخلات إقليمية ودولية معقدة، خاصة مع النفوذ الإيراني والأمريكي المتعارض. يجد البلد نفسه مضطرًا إلى موازنة الضغوط الخارجية مع متطلباته الداخلية، التي تتراوح بين التحديات الطائفية والتطلعات الوطنية. هذه الوضعية تحد من قدرته على لعب دور مستقل في معادلات الشرق الأوسط.
7. تركيا: لاعب إقليمي يهدف إلى استعادة نفوذه
تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال استراتيجيات طموحة تهدف إلى استهداف مناطق متنازع عليها في شرق المتوسط، القوقاز، وآسيا الوسطى. تسعى أنقرة إلى إعادة تعريف مكانتها كقوة إقليمية، لكن هذا الطموح يصطدم بتحديات داخلية وخارجية، خاصة في ظل تعقيدات السياسة الدولية والتوازنات الإقليمية.
8. سوريا: النهج براغماتي لأحمد الشرع
بعد سنوات من الحرب والتدخلات الخارجية، باتت سوريا تحت قيادة أحمد الشرع أكثر تركيزًا على قضاياها الداخلية. يواجه النظام أزمة اقتصادية خانقة وانقسامات اجتماعية عميقة، مما يدفعه إلى اتباع نهج براغماتي يركز على البقاء واستيعاب التحديات بدلاً من مواجهتها مباشرة، حتى لو كان ذلك على حساب تراجع أدواره الإقليمية التقليدية.
9. دول الخليج: بين السعي لإضعاف إيران والخوف من فراغ السلطة
تشكل إيران تهديدًا استراتيجيًا لدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تراها منافسًا إقليميًا بارزًا. رغم رغبتها في إضعاف النظام الإيراني، تدرك هذه الدول أن انهياره قد يؤدي إلى فوضى تهدد الاستقرار الإقليمي وتعيد ترتيب موازين القوى بشكل غير محسوب. لذا، تتبنى مواقف حذرة تجمع بين العداء السياسي والحرص على استقرار طويل الأمد.
10. روسيا والصين: حذر استراتيجي يحدد أدوارهما في الشرق الأوسط
تظهر كل من موسكو وبكين حذرًا شديدًا في التعامل مع صراعات الشرق الأوسط. تحكم التحالفات والتوترات الدولية تحركاتهما. تعتمد الصين، التي تركز على استقرار طريق الحرير، سياسة محافظة لضمان مصالحها الاقتصادية دون الانجرار إلى نزاعات عسكرية. أما روسيا، المنشغلة في أوكرانيا، فتوظف الفوضى الإقليمية كورقة استراتيجية لتعزيز مصالحها في سوق الغاز العالمي وتخفيف الضغط الدولي، معتمدة نهجًا براغماتيًا لتوسيع نفوذها في ظل الظروف المتغيرة.
تاريخ السابع من أكتوبر 2023: نقطة تحول
تتجلى التحولات الكبرى في الشرق الأوسط، كما استعرضناها عبر هذه الحقائق العشر، في لوحة معقدة من الصراعات والتحالفات التي تحدد ملامح المنطقة. لكن من بين كل هذه اللحظات، برزت أحداث السابع من أكتوبر 2023 كنقطة تحول تاريخية، ستبقى محفورة في كتب التاريخ كلحظة غيرت الشرق الأوسط جذريًا. هذا اليوم، بما حمله من تداعيات سياسية، عسكرية، وإنسانية، لم يكن مجرد حدث عابر، بل أعاد تشكيل موازين القوى وأثار تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة. من إسرائيل إلى إيران، ومن دول الخليج إلى القوى الدولية مثل روسيا والصين، ألقت هذه الأحداث بظلالها على الديناميكيات الإقليمية، معيدة تعريف الأولويات والاستراتيجيات. وفي ظل هذا الواقع الجديد، يبقى السؤال المحوري: كيف ستتمكن شعوب المنطقة وصناع قرارها من استيعاب هذه التحولات لرسم مستقبل يحقق الاستقرار والعدالة؟ إن فهم هذه الحقائق العشر ليس سوى الخطوة الأولى نحو إجابة مستدامة.

بقلم: أمين بن خالد محام ودبلوماسي سابق 

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115