نحو فهم أفضل لاشتغال منظومة التوجيه المدرسي والجامعي: قراءة لما ورد بالمخطّط الاستراتيجي القطاعي التربوي 2016 – 2020 حول منظومة التوجيه المدرسي والجامعي

بقلم: محمد البشير الهيشري
مستشار في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي

يتنزّل الإصلاح التربوي الذي تشهده بلادنا راهنا ضمن مشروع تجديد النظام التربوي التونسي وتجويد أدائه حتّى يتسنّى للمدرسة التونسية أن تنهض برسالتها على النحو المطلوب. وتبرز أهمّية إنجاز هذا المشروع الإصلاحي من خلال ضرورة مواكبة ما يعرفه العالم من تحوّلات عميقة تؤثّر بوضوح على اشتغال الأنساق الإقتصاديّة والإجتماعيّة والثقافيّة والتكنولوجيّة والعلميّة. ولئن مثّل الإصلاح التربويّ الجديد، في الأغلب الأعمّ، ثمرة وفاق وطني ومقاربة تشاركيّة بين سلطة الإشراف ومكوّنات المجتمع المدني والقوى السياسيّة والإقتصادية فإنّه أفضى إلى جملة من المخرجات التي تثبت أهميّة تجويد اشتغال النظام التربوي التونسي وصعوبة هذه المهمّة في آن واحد. ويعنينا في هذا السياق المخطّط الإستراتيجي القطاعي التربوي 2016 – 2020 الصادر عن الإدارة العامّة للدراسات و التخطيط و نظم المعلومات بوزارة التربية.

فهذا المخطّط توفّر، عموما، على رؤية نقديّة إستراتيجيّة للمنظومة التربويّة التونسيّة إذ أثار عديد الإشكاليّات التي تشهدها المدرسة التونسيّة وسعى إلى توصيف الوضع التربويّ وتشخيصه عسى أن تُبنى إستراتيجيّات الإصلاح المنشود وتُقترح سبل التغيير والتطوير. وتفاعلا مع ما ورد في هذا المخطّط الإستراتيجي في مستوى تشخيص الوضع التربوي التونسي، نروم إبداء الرأي في محور مخصوص هو محور اشتغال منظومة الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي التي جاء بخصوصها مايلي:

«من النقائص التي تشهدها منظومة التوجيه الحالية غياب نظام إعلام عامّ ومندمج وعدم وجود إستراتيجيّة شاملة للتوجيه المدرسي مع عدم وضوح للمسالك والآفاق مما أدّى إلى ضعف التوجيه إلى التعليم التقني والتكنولوجي والعلمي مقابل نسبة توجيه مرتفعة إلى التعليم العام وإلى شعب الآداب والاقتصاد، في ضوء افتقار المنظومة إلى النجاعة المنتظرة من سلك مستشاري الإعلام والتوجيه الذي يحتاج إلى إعادة النظر في أدواره وتطويرها ووضع إستراتيجيّة إعلام في خدمة التوجيه المدرسي والجامعي؟» (ص 55). فإستنادا إلى هذه الفقرة التي تهمّ التوجيه المدرسيّ أساسا نلاحظ توصيفا عامّا لمنظومة التوجيه المدرسي والجامعي دون نفاذ عميق إلى تشخيص واقعها وآليّات إشتغالها باعتبارها مدارا هامّا من مدارات الفعل التربوي.

كما أنّ بعض المعطيات الهامّة و المتعلّقة بهذه المنظومة لم يتمّ تضمينها في المخطّط و هو ما يجعل الحكم على عمل مستشاري الإعلام والتوجيه المدرسي و الجامعي بعدم النجاعة تثبيتا لتمثّلات مغلوطة يحملها البعض عن هذا السلك والحال أنّ الرغبة في تطوير أدواره ووضع إستراتيجيّة واضحة له كانت مطلبا قطاعيّا بإمتياز. إنّ «غياب إعلام عامّ و مندمج و عدم وجود إستراتيجيّة شاملة للتوجيه المدرسي و الجامعي» هو نتيجة حتميّة لعدم وجود هيكل إداريّ يمثّل السلك في صلب وزارة التربية و يعمل على بلورة إستراتيجيّة واضحة لمنظومة الإعلام و التوجيه المدرسي و الجامعي. وإضافة إلى ما تقدّم فإنّ تبنّي بعض الفاعلين التربوييّن لرؤية تبسيطيّة في علاقة بسلك مستشاري الإعلام والتوجيه المدرسي و الجامعي أدّى إلى عدم تثمين المبادرات الفرديّة والجماعيّة -على تنوّعها و ثرائها- مما حدّ من دافعيّة بعض المستشارين وعرقل مقارباتهم المنظوميّة وبدائلهم لحسن إشتغال المدرسة التونسيّة. إنّ إعادة النظر في أدوار السلك و تطويرها بتمكين المستشارين في الإعلام و التوجيه المدرسي والجامعي من المشاركة الفعّالة في كلّ المسائل التّي تمسّ الحياة المدرسيّة هو مطلب قطاعيّ بإمتياز ولعلّ الفرصة قد سنحت اليوم لتجسيد هذه الرغبة المشتركة بين سلطة الإشراف والمستشارين على أرض الواقع.

من ناحية أخرى، نؤكّد على أنّ تطوير منظومة التوجيه المدرسي و الجامعي يستدعي توفير كلّ الإمكانيّات المادّية والبشريّة الضروريّة إذ لا يمكن الحديث عن النجاعة مثلا بنقص فادح في الإطار المختصّ من مستشاري الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي الذين يبلغ عددهم قرابة 155 مستشارا وهو عدد غير كاف لضمان نسبة تغطية قريبة من المعايير الدوليّة. وعليه، فإنّ ما ورد بالمخطّط الإستراتيجي القطاعي التربوي 2016 - 2020 -على أهمّيته- لم يكن دقيقا بما فيه الكفاية فيما يتعلّق بمنظومة التوجيه المدرسي والجامعي و مثّل حلقة أخرى من حلقات التعاطي الغامض مع سلك كان من المفترض إستثمار التكوين المتين الذي تلقّاه كلّ منتسبيه للنهوض بقطاع التربية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115