فرنسا وإرثها الاستعماري: بين المصالحة والاستغلال السياسي

بقلم: محمد صالح بن عمار طبيب ووزير سابق

لا يزال الماضي الاستعماري الفرنسي يشكل قضية حساسة، ظلت لفترة طويلة مغيبة عن النقاش العام والمناهج التعليمية.

 

وعادت هذه القضية بعد حصول عدد من الانقلابات في إفريقيا جنوب الصحراء لتفرض نفسها هذه الأيام بقوة على الساحة السياسية والاجتماعية، وتشهد اليوم «حرب ذاكرة» بين أطراف متعددة. ويسعى كل طرف إلى ترسيخ روايته الخاصة، سواء داخل فرنسا أو في دول إفريقيا التي عانت من الاستعمار.

في ظل تصاعد المطالبات في إفريقيا بالخصوص بالاعتراف الرسمي بالجرائم الاستعمارية، يجد هذا الملف نفسه عرضة للمزايدات السياسية من مختلف الأطراف.

انقسامات عميقة في المجتمع الفرنسي:

يتجاذب الماضي الاستعماري في فرنسا تياران رئيسيان:

التيار المحافظ واليميني المتطرف الذي يرفض الاعتراف بالماضي الاستعماري كفترة مظلمة، ويسعى إلى تمجيده كجزء من «العظمة الفرنسية». ويستغل هذا الملف لتأجيج خطاب الهوية الوطنية، والدعوة إلى التوقف عن «جلد الذات» بشأن الاستعمار. ويروج لفكرة أن فرنسا جلبت الحضارة إلى مستعمراتها، ويستند إلى نزعة حنين استعماري لدى بعض الشرائح.

والتيار التقدمي واليساري الذي يدفع باتجاه الاعتراف الرسمي بجرائم الاستعمار، وتدريس التاريخ الاستعماري بموضوعية. ويعترف الرئيس إيمانويل ماكرون بأن الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية»، لكنه يتردد في اتخاذ خطوات ملموسة. وتسعى بعض الأحزاب والجمعيات إلى فرض اعتذارات رسمية وإصلاحات جذرية في الخطاب التاريخي الفرنسي.

الملف الجزائري الفرنسي هو أفضل طريقة للتعبير عن الماضي والحاضر في ملف الاستعمار الفرنسي في إفريقيا.

تشهد اليوم العلاقات بين فرنسا والجزائر توترًا ملحوظًا، رغم الروابط العميقة بين البلدين.

الإرث الاستعماري وذاكرة الحرب:

لا يزال الماضي الاستعماري يشكل أحد العوامل الرئيسية. الجزائر تطالب باعتذار رسمي، وفرنسا تتجنبه. ويستخدم النظام الجزائري ملف الاستعمار لتعزيز شرعيته.

الخلافات السياسية بين باريس والجزائر:

تتباين مواقف البلدين في عدة قضايا حساسة. تصريحات ماكرون حول النظام الجزائري، ومسألة التأشيرات، وحرية التعبير تزيد من التوتر.

التنافس الجيوسياسي في شمال إفريقيا:

يؤثر التنافس في المنطقة على العلاقة بين البلدين. تعزيز الجزائر لعلاقاتها مع روسيا، والتقارب بين المغرب وفرنسا يثير استياء الجزائر.

المصالح الاقتصادية والتعاون المتوتر:

وتبقى فرنسا أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للجزائر، لكن العلاقة ليست مستقرة. الجزائر مورد أساسي للغاز لفرنسا، والشركات الفرنسية لها مصالح كبرى في الجزائر. تحاول الجزائر تقليل الاعتماد على فرنسا اقتصاديًا.

يجب ألا يكون التعامل مع الماضي الاستعماري ساحة للمزايدات السياسية، بل مجالًا لمواجهة الحقيقة وإرساء مصالحة حقيقية. يتطلب ذلك:

- اعترافًا رسميًا من الدولة الفرنسية بجرائمها الاستعمارية.

- إصلاح المناهج التعليمية في فرنسا ومستعمراتها السابقة.

- إنشاء أماكن للذاكرة تروي تاريخ الاستعمار بموضوعية.

و أخيرا التوقف عن استغلال الملف في المزايدات الداخلية في إفريقيا و فرنسا.

لا يمكن تحقيق مصالحة حقيقية إلا بتحرير ذاكرة الاستعمار من التوظيف السياسي والتعامل معها بموضوعية تاريخية، مع مراعاة حقوق الضحايا.

هذه هي الطريق الأسلم التي تضمن بناء علاقات متوازنة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، تقوم على الحقيقة والاحترام المتبادل

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115