هل توقع الفيلسوف كانط مجيء ترامب؟

أمين بن خالد

في عام 1795، اقترح إيمانويل كانط «مشروع السلام الدائم كمخطط فلسفي»،

وهو كتيّب قد يبدو لأول وهلة بعيدًا عن واقعنا الحالي ولكن عند الرجوع إليه اليوم في سنة 2025، يمكننا ان نتساءل : هل توقع كانط مجيء ترامب؟ بالطبع، ما كتبه الفيلسوف الألماني جاء في سياق مختلف تمامًا، لكن أفكاره حول ضرورة السلام والعدالة والتعاون الدولي تتناغم بطريقة غريبة مع عالم اليوم، عالم أصبح فيه التهديد والوعيد والحرب والدمار من الامور العادية واليومية. فربما، في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، نحن في حاجة إلى أفكار كانط، أو على الأقل إلى إعادة قراءة كتيّبه الذي يحتفل هذا العام بمرور 230 عامًا على صدوره. لنرى معا :

1- بالنسبة لكانط، الفاعلون الخيّرون هم من يسهمون في الصالح العام، بينما يفضل ترامب المستثمرين الجشعين

في رؤية كانط، يعتبر الفاعلون الخيّرون (les philanthropes) الذين يتبعون «الأنانية المستنيرة» من اللاعبين الرئيسيين في بناء السلام. هؤلاء يدفعهم الشعور بالصالح العام، ويعملون على تحسين الظروف الاجتماعية والدولية. يرى كانط في هؤلاء الأشخاص عوامل لتطور المجتمعات نحو الأفضل، وأفرادًا قادرين على تجاوز مصالحهم الخاصة من أجل المساهمة في التضامن العالمي عبر مشاريع إنسانية ملهمة.

من جهته، يرى ترامب الأمور بشكل مختلف تمامًا. فمقاربته تقوم على نظام يتم فيه تقديم المصالح الشخصية والآنية على حساب التضامن وتكافؤ الفرص، إذا كان كانط يأمل في أن يعمل الخيّرون من أجل المصلحة العامة، فإن ترامب يراهن على المستثمرين الجشعين الذين يسعون لتكديس الثروة، حتى لو كان ذلك على حساب العدالة الاجتماعية.

2- بالنسبة لكانط، الفلاسفة يقدمون النصح للقادة، بينما يلجأ ترامب إلى إيلون ماسك

يعتقد كانط أن للفلاسفة دور أساسي في تشكيل السياسات الدولية. هؤلاء المفكرون موجودون لإرشاد رجال السياسة من خلال تقديم أفكار أخلاقية وقانونية تساعد على بناء أسس لسلام مستدام. بالنسبة له، الفلاسفة هم من يصوغون السلام، وأفكارهم قادرة على تحدي القيم السائدة وتقديم حلول مستدامة قائمة على العقل والعدالة.

أما ترامب، فهو بعيد عن كل هذا. بدلًا من التوجه إلى المفكرين والأكاديميين، يفضل أن يفتح باب مكتب البيت الأبيض لإيلون ماسك، الذي يعتبره نموذجًا للكفاءة والنجاعة الادارية. فأمثال إيلون ماسك يُعرضون في كثير من الأحيان كحلول سريعة للمشاكل السياسية والقانونية والإدارية المعقدة، دون أن يحملوا العمق الأخلاقي الذي كان كانط يعتبره ضروريًا للعلاقات الدولية. إذا كانت الفلسفة بالنسبة لكانط هي مفتاح الحكمة في الحكم، فإن ترامب يراهن على روح المجازفة والبحث عن الربح، مهما كان الثمن.

3- بالنسبة لكانط، أراضي الدول لها حرمة، بينما يرى ترامب أنها سلع للتفاوض

يعتبر كانط أن احترام سيادة الدول على أراضيها هو محرك أساسي لضمان السلام الدائم. فهو يؤمن بأن هذه المبادئ يجب أن تكون في صميم النظام الدولي. بالنسبة له، الحروب تنشب نتيجة لعدم احترام هذه الحقوق الأساسية، وهو أمر بديهي لا يحتاج إلى تفسير معمق.

أما ترامب، فإن مسألة الأراضي يراها غالبًا كمورد ينبغي استغلاله ضمن إطار جيوسياسي تفاوضي. فإذا كان كانط يرى في احترام سيادة الآخرين على أراضيهم مبدأً أخلاقيًا محوريًا في العلاقات الدولية، فإن ترامب يرى أن الأرض هي وسيلة للضغط وللبيع والشراء ولتحقيق مكاسب جيوسياسية فورية.

4- بالنسبة لكانط، تجنب الديون أمر حيوي من أجل السلام، بينما يستخدم ترامب ديون الآخرين للهيمنة عليهم

من بين الأفكار الكبرى التي طرحها كانط من أجل السلام الدائم هي أهمية الوفاء بالديون بين الدول. فكانط يعتقد أن الدول يجب أن تحترم التزاماتها من أجل الحفاظ على الثقة المتبادلة وتجنب الصراعات، وهو شرط أساسي للحفاظ على الاستقرار والسلام الدوليين.

أما ترامب، فلديه رؤية مغايرة تمامًا حول هذه المسألة. في فكره، تمثل الديون أداة للتفاوض ووسيلة للضغط لفرض إرادته على الدول الأضعف. ويبرز ذلك من خلال طلباته المتكررة لتعديل الاتفاقات التجارية أو زيادة مساهمات حلفائه في حلف الناتو، أو ما فعله مؤخرًا بتهديده بقطع المساعدات المالية عن الأردن ومصر إذا لم تقبلا توطين الفلسطينيين على أراضيهما. من خلال هذه التصرفات، يستخدم ترامب الديون والمساعدات المالية في حسابات جيوسياسية لفرض سيطرته وجدول اعماله.

اخيرا لو كان كانط يعلم أنه في يوم ما سيأتي شخص اسمه دونالد ترامب، لكان قد غيّر عنوان كتابه من «مشروع للسلام الدائم» إلى «نقد عقل ترامب»، لأن ترامب له عقل، ولكن العالم اليوم لا يحتاج إلى عقل ترامب الذي يصلح ربما لإدارة شركاته وعقاراته المتعددة . لا …العالم الآن يحتاج إلى عقلانية جماعية مستدامة كما نظّر لها شيخ فلاسفة الانوار … لا مفرّ من ذلك

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115