التي أطلقها منذ عشر سنوات الرئيس الصيني لاعتبارات عديدة لعل من بينها أن الأمة التونسية على غرار الأمة الصينية عرفت الإنفتاح على العالم الخارجي بصورة مبكرة فكان لها رحالتها منذ آلاف السنين وأشهرهم على الإطلاق حنون القرطاجي الذي ريط صلات الوصل مع الأفارقة من سكان جنوب الصحراء وأسس المرافئ التجارية شأنه شأن حميلقون القرطاجي الذي ربط صلات الوصل مع أوروبا الأطلسية والشمالية ومهد الطريق لتجارة القصدير ووصل إلى أيسلندا منذ آلاف السنين.
وبالتالي، من الطبيعي أن يتفاعل شعب قرطاج المنفتح مع شعب مؤسس طريق الحرير البحري الأميرال "تشنغ هي " Zheng He أو "حجّي محمود شمس الدين" الذي قام بسبع رحلات بحرية كبرى على مدى 28 عاما. ومن الطبيعي أن تجد مبادرة هدفها التعاون والتنمية لا الإستعمار والهيمنة، على غرار مبادرة الحزام والطريق، كل الترحيب من شعب قرطاج، سيدة المتوسط والأطلسي لقرون، وذلك للإنخراط فيها ودعمها.
توافق في الرؤى
ولعل ما صرح به منير بن رجيبة، كاتب الدولة للشؤون الخارجية، في فعاليات الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي احتضنته العاصمة الصينية بيكين مؤخرا، والذي اعتبر فيه أن رؤية تونس للتعاون الدولي تتوافق مع أهداف مبادرة الحزام والطريق لتحقيق التنمية الشاملة بالإعتماد على تطوير البنية التحتية، وتنويع النشاط الإقتصادي مع ضمان الإستدامة البيئية، يؤكد هذا التفاعل الإيجابي التونسي مع مبادرة الحزام والطريق. فالخضراء دعت على الدوام إلى إرساء نظام دولي أكثر عدالة وإنصافا مما هو سائد اليوم وذلك من خلال تعزيز التعاون متعدد الأطراف، وإدخال إصلاحات جوهرية على النظام المالي الدولي، بهدف دعم مسار التنمية في البلدان وفقا لخصوصياتها واحتياجاتها وهي أفكار تتوافق إلى حد كبير مع ما جاء في مبادرة الحزام والطريق.
إن الفرق بين مبادرة "الحزام والطريق" وبعض الآليات الأخرى التي أرستها ودعت إليها بعض الأقطاب الكبرى في هذا العالم، هو أن هذه المبادرة الصينية تعتمد على التنمية الاقتصادية بدلا من الإستعمار غير المباشر والهيمنة والعنف لتغيير العالم. كما أن الصين لا ترغب في فرض ثقافتها على العالم ولا تؤسس لصراع الحضارات، مثلما يفعل البعض، بل تحترم ثقافة الآخر وتقبل به كما هو، وتسعى إلى التعاون معه دون قيود أو شروط مسبقة.
إنجازات عديدة
لقد تحقق الكثير في مجال التعاون الدولي في إطار مبادرة الحزام والطريق منذ إطلاق هذه المبادرة خلال العشرية الماضية حيث تم توقيع أكثر من مائتي اتفاقية تعاون مع 151 دولة و32 منظمة دولية في إطار هذه المبادرة. كما تم إنشاء مشاريع عديدة في بلدان كثيرة تتعلق بالبنية التحتية في مجال النقل والطاقات المتجددة والتعليم والبحث العلمي والتكنولوجي وكذلك تم تمويل مشاريع تتعلق بالفلاحة ومكافحة التصحر والصحة وغيرها.
وبلغة الأرقام فقد بلغ حجم استثمارات الشركات الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق ما يعادل تريليون دولار أميركي موجهة لقرابة السبعين في المئة من سكان العالم. وقد حقق ذلك أرباحا هامة للشركات الصينية وبالتالي المنفعة المتبادلة للصين من جهة وللبلدان المنضمة إلى مبادرة الحزام والطريق من جهة أخرى، وذلك خلافا للتعاون مع أقطاب دولية أخرى في هذا العالم والذي يحقق في أغلب الأحيان المنفعة الأحادية.
وفيما يتعلق بتونس التي وقعت مع الصين مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق سنة 2018 فقد تم الإنتهاء من بعض مشاريع البنى التحتية الكبرى على غرار المستشفى الجامعي بصفاقس الذي تم تدشينه سنة 2020، كما تم تحديث قناة مجردة الوطن القبلي لضمان إيصال مياه الري الفلاحي إلى شرق البلاد. وتعتبر الأكاديمية الديبلوماسية أيضا من أهم مشاريع التعاون بين الجانبين التونسي والصيني وذلك بالإضافة إلى المركز الشبابي والرياضي ببن عروس الذي أصبح متنفسا هاما لشباب الولاية منذ إتمام إنشائه في السنوات الأخيرة.
تحديات عديدة
لكن رغم كل ما تحقق خلال العشرية الماضية، أي منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن هناك الكثير مما يجب إنجازه حتى يحقق هذا المسار أهدافه على الوجه الأكمل. فالتحديات عديدة ومنها ربط القارات الآسيوية والإفريقية والأوروبية بعضها ببعض من خلال شبكة طرقات بحرية وبرية وذلك لتنمية المبادلات التجارية بينها لأن ما تحقق خلال العشرية الماضية يعتبر غير كاف للوصول إلى هذه الغاية.
وتطمح دول عديدة في أن تساهم الإستثمارات في تشغيل اليد العاملة داخلها سواء عند الإنجاز أو بعد انطلاق هذه المشاريع في العمل، وبالتالي تتحول مبادرة الحزام والطريق إلى مساهمة في عملية التشغيل والقضاء على البطالة.
دون المأمول
وفيما يتعلق بتونس فإن حجم تعاون الصين معها ضعيف ولا يرتقي إلى مستوى تعاون الأخيرة مع المغرب والجزائر رغم ما لتونس من إمكانيات تجعلها قادرة على إفادة الجانب الصيني ولا تستفيد منه فقط. فتونس في قلب البحر الأبيض المتوسط الذي هو قلب العالم وهي همزة الوصل بين شرق المتوسط وغربه وبين أوروبا وإفريقيا. وتطل تونس على مضيق صقلية الذي تشرف عليه مع إيطاليا والذي تتواجد حركة ملاحة بحرية على غاية من الأهمية على الطريق الرابط بين غرب أوروبا وشرق آسيا.
كما أن لتونس كفاءات علمية ومعرفية ويد عاملة مدربة تدريبا جيدا يتمنى وجودها كل مستثمر أجنبي في أي بلد من بلدان العالم، وبإمكان الخضراء أن تكون محطة هامة في طريق الحرير الذي يتم إنجازه. وبالتالي فإن موقع تونس الجغرافي ودورها التاريخي الحضاري في منطقتها وكفاءاتها في كل المجالات لا يتناسبون مع وضعها الهامشي الحالي في طريق الحرير.