- وعليه لا بدّ من القطع مع هذه الصورة حتّى لا نبقى نجترّ نفس الإسطوانة وندندن بنفس الأغنيات الممجوجة ونحوّل عبادة جليلة –الحج- إلى قضيّة صاخبة ومعركة تبعدها عن قدسيتها ومقاصدها المتعدّدة ...
رحلات العودة من البقاع المقدّسة بحجيجنا الميامين متواصلة بنسق طبيعي ومعها يتحتّم أن تكون تقارير التقييم جاهزة تقرأ وتعالج وتناقش ولا تضمّها الرفوف والأدراج تقارير صادقة تذكر الإيجابي وتؤكّد على تطويره والحفاظ عليه وتذكر خاصة السلبي لمعالجته دون خجل
فموسم الحجّ ونجاحه هو صورة تونس بكاملها فالحجّاج إلى جانب رحلتهم التعبّدية هم سفراء الوطن كلّ سنة لدينا أكثر من 8 آلاف سفير وممثّل عن تونس وزد على ذلك فالمؤسسات المتداخلة في هذه الفريضة تنظيميا وخدماتيا وإداريا عديدة جدا انطلاقا من رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة ووزارات الشؤون الدينية ّ والنقل والداخلية .... فالمسؤولية جماعية ومشتركة في النجاح وفي الفشل ..
وعملية التقييم تبدأ منذ الآن – دون اللجوء إلى التنصّل من المسؤوليات والتراشق بالتهم مع إشراك جمعيات المجتمع المدني ذات الصلة بالقطاع دون أن يسمح لها بتجاوز دورها ومهمّتها - بدءا بمراجعة منظومة التسجيل عن بعد وتجاوز نقائصها فالتجربة حديثة العهد مع حتمية توفير وسائل العمل لوعاظ وزارة الشؤون الدينية في كامل مراكزهم ....مرورا بعملية تقييم كامل الخدمات – التي هي من مشمولات -الشركة الوطنية للإقامات والخدمات- من سكن وإعاشة ونقل وكذلك مسألة الصحّة وما أدراك ما الصحّة علما وأنّ نسب كبار السنّ والمرضى من حجيجنا تبقى مرتفعة دائما وهذه من أكبر المعضلات ..وصولا إلى اتخاذ قرارات جريئة حسب مقتضيات الأمور تجنّبا لكثير من النقائص والتجاوزات ..
ودون الخوض في التفاصيل وحتى نكون دائما في دائرة الإسهام بالبناء نسوق جملة من المقترحات علّها تكون ذات جدوى لتطوير منظومة الحجّ :
1 - التفكير بعد دراسة شاملة في إنشاء الديوان الوطني للحجّ والعمرة ليكون الجهة الوحيدة المنظّمة .ومقترح إنشاء هذا الديوان يكون بعد تدارس الجوانب القانونية والتشريعية ..
-2 تحديد سنّ قصوى للحجيج ك70 سنة مثلا لتجنّب كلّ إشكاليات الضياع وغيرها ..
3 - ربط عملية التسجيل في المنظومة الالكترونية بدفع معلوم مالي كبقية عمليات التسجيل في بلادنا وتوظّف المبالغ المرصودة في التخفيف من كلفة الحجّ فمبلغ 15 د عن كلّ عملية تسجيل يوفّر 3 مليارات إذا علمنا ان عملية تسجيل ترشّحات الحجّ تصل إلى 200 ألف مترشّح سنويا
4 - إشراك المؤسسة الطبيّة العسكرية في عملية الفحوص الطبيّة بتخصيص أطباء من خارج الجهة التي يقطن بها الحاج لتجنّب التأثير عليهم وحتّى تكون التقارير الطبيّة المتعلّقة بصحة حجيجنا أكثر جديّة – وليس في هذا أي اتّهام لأطبّاء الصحة العمومية أو استنقاص من جهودهم فهم يجدون أنفسهم بين أهليهم وفي مستشفيات مناطقهم فيتحرّجون من حرمان المترشّح من الحجّ رغم يقينهم بعدم قدرته البدنية على ذلك –
5 - التفكير في تغيير صيغة عمل الشبابيك الموحّدة وما تنجرّ عنه من مشاكل وخطورة السرقة والاعتداءات على أموال الحجيج فأحيانا تجد مئات الملايين نقدا مجتمعة عند الحجّاج في مكان الشبّاك دون حماية كبرى أو في الطريق أو في وسيلة نقل عمومية في حين يمكن إنزال كلّ تلك المبالغ في شبابيك البنوك في الحسابات البنكية للمؤسسات المستفيدة – وهي شركة الخدمات وشركة الخطوط الجويّة- والإستظهار في الشبابيك الموحّدة بالوصولات دون الحاجة لكلّ مخاطر اصطحاب النقد والتهديدات الكامنة وراء ذلك – حادثة المنستير موسم 2016 وسرقة 18 ألف دينار من حاج –
6 - تركيز نظام المرافقة والإرشاد الديني بنظام المجموعات الصغيرة فتقسيم قرابة 8500 حاج على مجموعات صغيرة لا تتجاوز 50 حاجا وتخصيص مرافق يتكفّل بنقلهم وخدمتهم وسكنهم ومرشد يتكفّل بالجانب الديني والتربوي التوجيهي السلوكي في كلّ مراحل الموسم وخاصة في نفرة عرفات وما يصحبها من إهمال في وضعية عصيبة من الإزدحام وارتفاع معدّل الأنانية في تلك اللحظة بالذات وتتمّ ملازمة المجموعة في كلّ مكان ويتحمّل الثنائي – المرافق والمرشد - كامل التبعات ويمكن محاسبتهما على أي إخلال لأن طريقة العمل المتوفّرة الآن هي طريقة لا تخوّل تحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين وسنحتاج إجمالا إلى حوالي 170 مرشد و170 مرافق تتمّ عمليات اختيارهم وفق الضوابط القانونية والمناشير المنظّمة لذلك دون محاباة
7 - التفكير في إشراك وزارة السياحة في عملية مراقبة واختيار النزل وإبرام عقود طويلة المدى – 15 سنة فما فوق وفق كرّاس شروط واضحة - لتخفيض الكلفة على غرار تجارب غيرنا من الدول..
8 - مراجعة عمل الفرق الطبيّة وحسن توزيعها في النزل خاصة أينما وجد الحجيج ...
9 - تنظيم عملية التوعية الدينية بدءا من تكثيف الدروس قبل الحجّ مع التركيز شبه الكامل على السلوك والتعايش وتقبّل الآخر وترسيخ قيم التعايش والإيثار والصبر مع الجوانب التعبّدية ثم التنصيص على الأحكام الفاصلة في النوازل والمسائل الفقهية المتعلّقة بالحجّ بنصوص مكتوبة تجنّبا لكلّ الإختلافات بين المرشدين فيما بينهم ...
من الثابت أنّه توجد ثغرات أخرى يستوجب تطويرها وتجاوز الهنات والأكيد أن موسم الحجّ يزداد تعقيدا من سنة لأخرى وقد نعود لتأمين 11 ألف حاج في الموسم القادم أو ربّما الذي يليه وهو العدد الطبيعي بعد تمام التوسعة وبالتالي من يدرك التميّز في تنظيم حج 8500 حاج لن يعجز عن النجاح إذا ارتفع العدد ..فمنذ الآن نستعدّ بصدق لموسم الحجّ لسنة 2017 وليس بعد الآن ..