إصدار مرسوم المجلس الأعلى المؤقت للقضاء في انتظار تركيزه الفعلي: رفض قاطع من الهياكل المهنية للقضاة، وهذا موقف الهيئة الوطنية للمحامين

ارتفع منسوب الاحتقان الذي تعيش على وقعه الساحة القضائية منذ فترة بسبب قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة بالقضاء، حيث صدر مؤخرا المرسوم عدد 11 لسنة 2022

المتعلق بإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء بدل المجلس المنحل وقد ضبط هذا المرسوم تركيبة المجلس وصلاحياته، وقد زادت هذه الخطوة من توتر العلاقة بين القضاة ورئيس الجمهورية وقد عبّرت الهياكل المهنية للقضاة عن استعدادها لخوض جميع الأشكال النضالية الرافضة لهذا المجلس المؤقت علما وأن المرسوم يحجّر على القضاة الإضراب و كلّ شكل من أشكال التجمع الذي من شأنه تعطيل العمل بالمحاكم.
جرى غلق مقرّ المجلس الأعلى للقضاء منذ 7 فيفري الجاري ومنع أعضاؤه وموظفوه من الدخول وذلك بعد أن قرر رئيس الجمهورية حلّ هذا الهيكل في تركيبته السابقة .
ابرز مضامين المرسوم 11 المثير للجدل
صدر مؤخرا في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المرسوم عدد 11 المتعلق بإحداث مجلس مؤقت أعلى للقضاء يترأسه الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وينوبه كل من الرئيس الأول للمحكمة الإدارية الذي يترأس بدوره المجلس المؤقت للقضاء الإداري ورئيس محكمة المحاسبات الذي تم تعيينه على رأس مجلس القضاء المالي المؤقت، وحسب ذات المرسوم يتركب المجلس الأعلى المؤقت الأعلى للقضاء من قضاة فقط.
هذا وقد نص الفصل التاسع منه على أنه «يحجّر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب القيام بكل عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم» ، كما ينصّ هذا المرسوم على أن قائمة الترشحات بالنسبة للقضاة المتقاعدين في كلّ مجلس قطاعي تقدّم بالنسبة للمجلس العدلي إلى وزارة العدل والى رئاسة الحكومة بالنسبة للمجلسين المالي والإداري وتحال جميعها فيما بعد على رئيس الجمهورية الذي يقوم بتعيين ثلاثة قضاة متقاعدين لكل مجلس سواء ضمن القائمة أو من خارجها عند الاقتضاء. من جهة أخرى فقد نصّ الفصل 16 من هذا المرسوم على أنه بإمكان وزير العدل في صورة عدم تمكينه من مآل الأبحاث في الشكايات التي تعهدت بها التفقدية العامة في أجل سبعة أيام من تاريخ توصلها بطلب الإطلاع أن يعهّد المجلس المؤقت للقضاء العدلي بإجراء الأبحاث الضرورية بعد قرار سحب الملف من أنظار التفقدية العامة ويعين المجلس مقررا من بين أعضائه.
«إلحاق للسلطة القضائية بالسلطة التنفيذية»
جدّدت «جمعية القضاة» من جهتها تمسكها بالمجلس الأعلى للقضاء المنحل معتبرة أن المجلس المؤقت الذي نصّ عليه المرسوم عدد 11 عديم السند القانوني والدستوري وقد أسند رئيس الجمهورية لنفسه كلّ الصلاحيات من الاعتراض ومراجعة كل مقترحات المجلس كذلك إعفاء القضاة وعزلهم برأي ملزم للمجلس المنصّب خارج كل ضمانات حق الدفاع، وقد أكدت في بيانها على أن ما كشف عنه المرسوم يمثل إلغاء للسلطة القضائية وبسطا لنفوذ رئيس الجمهورية على كامل مفاصلها وإلحاقا لها بالسلطة التنفيذية. هذا وقد عبّر المكتب التنفيذي عن رفضه لإحداث المجلس المؤقت بموجب مرسوم خارج مبادئ الشرعية ويتمسك بالمجلس الأعلى للقضاء باعتباره المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائيّة مطالبا إياه بالتمسك بوجوده ومواصلة ممارسته لصلاحياته، كما أعلنت الجمعية عن رفضها المساس بالحق النقابي للقضاة من خلال منعهم من الإضراب والاحتجاج معتبرة ذلك ترهيبا وضغطا على القضاة في معركتهم الشرعية والمصيرية من أجل سلطة قضائية مستقلة ودعت جميع القضاة إلى رص الصفوف للدفاع عن المجلس الشرعي ومواجهة تركيز المجلس المنصب والاستعداد لمواصلة التحركات من أجل الضمانات الهيكلية والوظيفية المكفولة بالدستور.
«انقلاب على السلطة القضائية»
عبّر اتحاد القضاة الإداريين بدوره عن موقفه الرافض للتدخل في شأن القضاء تحت أي مسمى باعتبار أن حالة الاستثناء لا تبرر المساس من البناء الدستوري للسلطة القضائية وقد نبّه إلى خطورة المقتضيات الواردة بالمرسوم الذي يكرس في الواقع مجلسا صوريا للقضاء ويمثّل انتهاكا صارخا لمبدإ الفصل بين السلط وتقويض حق القضاة الديمقراطي في اختيار نظرائهم بالمجلس عن طريق الانتخاب وتمثيليتهم في جميع الرتب والمساس الخطير بالحق النقابي بما في ذلك الحق في الإضراب المكفول بالفصل 36 من الدستور والذي لا يزال ساري المفعول. هذا وقد اعتبر الاتحاد ما أقدم عليه رئيس الجمهورية تحت شعار «الإصلاح ومحاربة الفساد» انقلابا على السلطة القضائية وإلغاء كلي لوجودها وأن المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء في حكم المعدوم ولا عمل لديه، ويطالب الزملاء المعينين بالصفة والقضاة المتقاعدين إلى عدم الاعتراف به ومقاطعة أعماله وقد أعلن الاتحاد استعداده لخوض كافة الأشكال النضالية من أجل الدفاع عن استقلالية القضاء والتصدي لكل الاعتداءات التي تتعرض لها السلطة القضائية.
«لا يتضمن المرسوم أي إصلاح للقضاء»
كما عبّرت جمعية القضاة الشبان عن رفضها للمرسوم عدد 11 واصفة إياه بغير الشرعي واعتبرت أن المجلس الأعلى للقضاء (المنحل) هو المؤسسة الشرعية الوحيدة الضامنة لحسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية هذا وقد حذّرت من تورط القضاة المعينين بالصفة والقضاة المتقاعدين فيما أسمته جريمة المشاركة في الانقلاب على المجلس الأعلى للقضاء مؤكدة وفق بيانها أن المرسوم لم يتضمن أي إصلاح للقضاء بل انه «معول هدم» لخصائص السلطة ولضمانات الاستقلالية بما جعل الهيئة المؤقتة مجرد لجنة للإشراف على القضاء تابعة لرئاسة الجمهورية. كما قررت الجمعية مراسلة مختلف الجمعيات والمنظمات القضائية العالمية للتنديد بهذا التوجه الذي يحط من مكانة القضاء التونسي ويهضم حقوق القضاة الشرعية و يسيء للمنظومة القضائية العالمية، كتقديم تقرير مفصل في الانتهاكات للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يكون أساسا للتشكي أمام المحكمة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب، معلنة عن إقرار مبدإ الإضراب المفتوح والسعي في نفس الوقت إلى الاتصال بالقضاة المعينين بصفتهم وحثهم على تحمل مسؤوليتهم التاريخية في صورة التعاطي مع هذا الكيان القانوني المشوه داعية كافة الهياكل القضائية والقضاة إلى الاعتصام بالوحدة والرد بقوة عل هذا المرسوم واعتباره من قبيل المعدوم واتخاذ أقصى أشكال التحرك الممكنة في مواجهته.
عميد المحامين:
«السّلطة لا تضرب ولا بد من تمثيل المحاماة في المجلس القار»
اعتبر عميد المحامين إبراهيم بودربالة في تصريح لـ«المغرب» أن للمجلس المؤقت الأعلى للقضاء دور «ترتيب البيت الداخلي للقضاة في كلّ ما يتعلق بالتأديب والحركة القضائية و المسيرة المهنية وذلك لمدة معينة فقط ويجب بالتالي النظر إلى المسألة من هذه الناحية. هذا وقد علّق على الفصل التاسع من المرسوم الذي يحجّر على القضاة الإضراب وكل تحرك من شأنه تعطيل السير العادي للعمل بالمحاكم فقال «القانون عدد 67 المعمول به منذ سنوات يحجر على القضاة الإضراب وبالتالي فان من يعتبرن أنفسهم سلطة لا يضربون لأن السلطة لا تضرب فكل الدول في العالم باستثناء الدول المتخلفة تستهجن إضراب القضاة، وما نصّ عليه الفصل 9 إقرار يتماشى مع دور مرفق العدالة إضافة إلى انه من الحقوق الدستورية اللجوء إلى القضاء».
من جهة أخرى قدّم بودربالة تصوّرا للمجلس القار القادم فقال «المجلس الذي سيكون قارا يجب أن يشتمل على كل مكونات الأسرة القضائية مع وجود دوائر خاصة بالحركة القضائية والمسار المهني للقضاة يشرف عليها قضاة فقط دون تدخل بقية الأطراف ويجب ان تكون الاستراتيجية العامة لهذا المجلس المنتظر ضمن عمل تشاركي تكون فيه المحاماة حاضرة بأعضاء يتم تعيينهم من قبل الهيئة الوطنية للمحامين لا منتخبين لأن التجربة السابقة أثبتت أن المحامين الذين كانوا ممثلين في المجلس لا يمثلون الا أنفسهم ولا تقع محاسبتهم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115