أعلن رئيس الجمهورية في ساعة متأخرة من ليلة الأحد 6 فيفري الجاري من مقرّ وزارة الداخلية عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء وعن اصدار مرسوم مؤقت خاص بهذا الهيكل القضائي لاحقا كما تم امس الاثنين غلق مقر المجلس ومنع الإداريين من الدخول وسط تواجد امني مكثف، هذا وجرى الحديث عن وجود عدد من القضاة في النيابة العمومية أو في المحاكم قد تلاعبو وتواطؤوا في ملف اغتيال شكري بلعيد الذي ظل في الرفوف لسنوات هذا وأوضح انه لا مكان لهؤلاء القضاة في قصور العدالة إلاّ كمتهمين، قرار وتصريحات رفضها المجلس الأعلى للقضاء الذي أعلن عن أنه سيواصل أعماله،كما عبّرت الهياكل المهنية عن غضبها ورفضها لهذه الخطوة ملوّحة بالتصعيد ضد غلق المحاكم.
كان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد اصدر في 19 جانفي المنقضي مرسوما يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المنظم للمجلس الأعلى للقضاء والذي نص على وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس المذكور وذلك بعد أشهر من تكليف وزارة العدل بإعداد مشروع قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء.
« كنت سأجتمع بهم للتحذير الأخير ولكن..»
أعلن رئيس الجمهورية أنه سيصدر مرسوما مؤقتا للمجلس الأعلى للقضاء الذي أصبح «في عداد الماضي» وفق تعبيره بعد أن قرّر حلّه، هذا وقال قيس سعيّد في ذات السياق ان هذا «المجلس صارت تباع فيه المناصب ويتم فيه وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات لذلك هؤلاء مكانهم ليس المكان الموجودون فيه الآن بل مكانهم أين يقف المتهمون فلا بد من وضع حدّ لهذا الوضع المزري فقد وجهنا لهم التحذير تلو التحذير وقد أردت أن اجتمع بهم مرة أخرى لتوجيه التحذير الأخير ولكن ما حدث في الأيام الأخيرة اضطرني إلى اتخاذ هذا القرار وقد تقيّدت بالقانون واحترمت المقامات على عكس ما يروجون».
هذا وقد تحدّث رئيس الجمهورية عن أملاك وأموال تعدّ بالمليارات حصل عليها عدد من القضاة مقابل تلاعبهم بعدد من الملفات وان كلّ شيء مثبت بالوثائق وفق تعبيره.
رئيس المجلس الأعلى للقضاء «المجلس من عداد الحاضر والمستقبل»
أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر في تصريح لـ«المغرب» أنه لم يحصل أي إعلام مسبق بغلق مقر المجلس وقد تفاجأ الأعضاء وكذلك الإداريون بمنعهم صباح أمس الاثنين من الدخول وقد تم تطويق المقر من قبل أعوان الأمن الذين أفادوا أنهم يطبقون التعليمات، وقال بخصوص قرار رئيس الجمهورية أن المجلس أصبح من عداد الماضي «المجلس الأعلى للقضاء لم ولن يكون في عداد الماضي بل هو من الحاضر والمستقبل إلى حين انتهاء مدته النيابية في أكتوبر 2022 وانتخاب مجلس جديد، لأنه لا توجد أي تعليمات شرعية ولا مسوّغ قانوني وترتيبي لحلّه ونحمّل المسؤولية المباشرة فيما يحصل أمام المجلس إلى وزارة الداخلية التي من المفترض أن تطبق القانون لا الإعلانات السياسية» وأضاف بوزاخر «استعمال القوة الصلبة يعتبر استيلاء على مؤسسات الدولة في سابقة خطيرة في تاريخ تونس لأنها تعتبر فوضى مؤسساتية ولا علاقة لها بالإصلاح وهي مخالفة لا للدستور وإنما للمرسوم عدد 117 نفسه، وأمام هذه الوضعية التي تنذر بالخطر لا بد على الجميع من قضاة ومجتمع مدني ومحامين وسياسيين وغيرهم تحمّل مسؤولياتهم». كما تحوّل عدل تنفيذ إلى مقر المجلس بطلب من رئيسه لمعاينة عملية الغلق.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الاعلى للقضاء كان قد اصدر بيانا عبّر فيه عن رفضه لحلّ المجلس في ظل غياب أي آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك، ورفض المساس بالأمان الوظيفي للقضاة وإخضاع مساراتهم المهنية والتأديبية لوضع قانوني انتقالي مجهول العواقب تنفرد السلطة التنفيذية بصياغته وإدارته وفق نص البيان. هذا وعبّر المجلس عن رفضه لاتهام رئيس الجمهورية له بالتقصير ووصف ذلك بأنه مغالطة للرأي العام بأن المجلس هو المكلّف بالفصل في القضايا و المسؤول عن مآلها، كما أعلن عن مواصلة تعهّده بمهامه داعيا جموع القضاة إلى التمسّك بمجلسهم.
من جهة أخرى عبّر رئيس المجلس الأعلى للقضاء عن استغرابه من تغيير عميد المحامين لموقفه بخصوص إصلاح المجلس في الوضع الاستثنائي معبّرا عن خشيته من أن يكون ذلك على خلفية تموقع جديد خاصة وأن العميد قد طالب في وقت سابق بتمثيليته بالصفة في المجلس الأعلى للقضاء وفق قوله.
«لا صلاحية للمجلس في سير الملفات»
بعد سويعات من قرار رئيس الجمهورية بحلّ المجلس الأعلى للقضاء وإعداد مرسوم مؤقت له واتهام عدد من القضاة بالتلاعب بملفات قضائية هبّت الهياكل المهنية لتعبّر عن استنكارها ورفضها لذلك القرار،فقد حذّرت جمعية القضاة التونسيين من العواقب الوخيمة لما أسمته مناخات الترهيب والترويع والاستضعاف والمس من الاعتبار والتي يعمل ضمنها القضاة اليوم على ضمان حقوق وحريات التونسيين والتونسيات مشدّدة على أن كشف الحقيقة واستحقاق المحاسبة لا يمكن أن يُتخذ مطية لضرب المجلس الأعلى للقضاء الذي لا صلاحية له في سير الملفات في المحاكم معبّرة عن رفضها لكل محاولات المساس بالسلطة القضائية وبالمجلس من قبل رئيس الجمهورية والتجييش والتهديد والدعوات للعنف ضدّ القضاة وضدّ المجلس وأعضائه. هذا وقد أعلنت الجمعية عن تمسكها بمحاسبة كل من حاد عن واجب النزاهة والاستقلالية ضمن مسارات قانونية وبملفات مؤسسة بعيدا عن منطق الفوضى والعنف معتبرة أن ما أعلن عنه رئيس الجمهورية إنكار لدعائم النظام الديمقراطي من استقلال دستوري وقانوني وهيكلي ووظيفي للقضاء وهدم لمؤسساته الدستورية وتقويض لبنائه الدستوري ويشكّل تراجعا خطيرا وغير مسبوق عن المكتسبات الدستورية وسعي لإخضاع القضاء للسلطة التنفيذية في ظلّ نظام يجمع فيه رئيس الجمهورية بيده كل السلطات. وقد أعلن المكتب التنفيذي عن توجههه في القريب لعموم القضاة لاتخاذ كلّ الخطوات النضالية اللازمة لحماية استقلال القضاء والمؤسسات القضائية وحرمة القضاة وسلامتهم الجسدية وحرمة المحاكم.
«المجلس لا يمكن إصلاحه بمراسيم»
عبّرت «جمعية القاضيات التونسيات» من جهتها عن تمسكها باستقلالية السلطة القضائية و استقلال القضاة وتمسكها بالمجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية محذّرة في ذات السياق من عواقب ضرب مؤسسات الدولة بماهي دعامة للنظام الديمقراطي و تعتبر ذلك تقويضا له ورجوعا إلى الوراء بتجميع كافة السلطات و الصلاحيات بيد السلطة التنفيذية،هذا وشدّدت الجمعية على أن المجلس الأعلى للقضاء مكسب دستوري لا يمكن إصلاحه بمراسيم مخالفة لروح الدستور و المواثيق و المعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية رافضة إخضاع المسار الوظيفي و التأديبي للقضاة لإرادة منفردة لما في ذلك من عواقب و تداعيات خطيرة على مسار القضاة من جهة و على مسار العدالة برمتها من جهة أخرى ، وفي ختام بيانها عبّرت جمعية القاضيات التونسيات عن استعدادها لاتخاذ كل القرارات والانخراط في شتى أشكال النضالات المتاحة لضمان استقلال القضاء .
شكاية إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين
كما ضمت جمعية القضاة الشبان صوتها إلى صوت الهياكل المذكورة سلفا حيث اعتبرت أن الوضع في غاية الخطورة، وأن رئيس الجمهورية يتجاوز إرادتهم والقوانين التي صادقوا عليها بواسطة نوابهم وقام بحل كافة السلطات بإرادة منفردة ، دون استفتائهم في الأمر واصفا ما قام به رئيس الجمهورية بالعمل الفوضوي وثورة مضادة على القضاء لإعادته إلى ما كان عليه قبل الثورة هذا وقد أكدت الجمعية أن حل المجلس الأعلى للقضاء لا علاقة له بالإصلاح وإنما هو محاولة لإضعاف القضاء واستعماله للضغط على القضاة لتصفية خصومه السياسيين وكل من يقف أمامه من قضاة وإعلام وجمعيات وأحزاب وفق نص البيان الذي أعلنت الجمعية من خلاله أيضا عن عزمها على تحرير شكاية إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين في أقرب الآجال تتضمن تشخيصا دقيقا لما آل إليه القضاء بعد 25 جويلية2021 ، مع رصد كافة التجاوزات والانتهاكات المرتكبة منذ ذلك التاريخ إلى حد الآن على غرار منع القضاة من السفر وكيل التهم لهم دون إثبات وتشويههم والضغط عليهم وتوجيه قراراتهم تحت طائلة التهديد.
«منظومة سياسية رافضة لإصلاح القضاء»
أعلن اتحاد القضاة الإداريين أنه يستهجن محاولات رئيس الجمهورية المتكررة التحريض على القضاة قصد التأثير على الرأي العام ومغالطته وإيهامه بأن حل المجلس الأعلى للقضاء مطلب شعبي وذلك بغاية وضع يده على السلطة القضائية بما من شأنه تعريض القضاة إلى شتى أنواع الاعتداءات موضحا أن مشاكل القضاء تتجاوز المجلس وأن الوضع الذي آلت إليه السلطة القضائية اليوم نتاج منظومة سياسية رافضة لإصلاح القضاء للاستثمار فيه، هذا وحذّر الاتحاد رئيس الجمهورية من أي مساس بمؤسسات الدولة وبمقومات استقلال السلطة القضائية بما في ذلك حل المجلس الأعلى للقضاء، داعيا اياه الى الكف عن هرسلة القضاة وتشويههم وإلى احترام السلطة التي ينتمون إليها مع ما يفرضه ذلك من عدم التدخل في شؤون القضاء بأي شكل من الأشكال. وأعلن بدوره عن استعداده لاتخاذ كل الخطوات النضالية التي يقتضيها استقلال القضاء والمؤسسات القضائية والسلامة الجسدية للقضاة.
«اهتزاز الثقة بين المجتمع التونسي والقضاء»
سجّلت نقابة القضاة التونسيين موقفها من قرار رئيس الجمهورية بخصوص حلّ المجلس الأعلى للقضاء حيث عبّرت رئيستها اميرة عمري عن تفاعل النقابة الايجابي مع دعوة رئيس الجمهورية مؤخرا لوزارة العدل بإعداد مشروع قانون لإصلاح القضاء وتمت مساندته وإعداد تصور عام له موضحة أن طريقة الإصلاح يجب أن تكون بغاية البناء وبصفة تشاركية مع هياكل السلطة القضائية مشددة على وعيهم بأن الثقة اهتزت بين المجتمع التونسي والقضاء. وقالت العكري في هذا الشأن «مفهوم إصلاح السلطة القضائية لا يعني إدخالها تحت جلباب السلطة التنفيذية أو تحت إشراف وزيرة العدل ليلى جفال أو أي هيكل آخر، معتبرة أن من يفكر في ذلك لن يتقدم بالقضاء بل سيعود به خطوات إلى الوراء وهو ما سيكون بعيدا عن مصلحة البلاد « كما انتقدت وزيرة العدل بالقول «إن أهل السلك كانوا ينتظرون منها تشريكهم في مساعي وضع تصور لمرسوم الإصلاح بعيدا عن التوظيف السياسي بل بضبط آليات الإصلاح وانتخاب تركيبة للقضاة بعيدا عن التوظيف السياسي».
هيئة المحامين على الخطّ
أكّد العميد إبراهيم بودربالة في تصريح لـ«المغرب» بأن موقف الهيئة الوطنية للمحامين بخصوص المجلس الأعلى للقضاء كان واضحا منذ أشهر وقد أوضحنا بان تمثيلية المحامين الحالية لا تتوافق مع متطلبات مهنة المحاماة و الأجدر أن يتم تعيين أعضاء المجلس من المحامين من قبل مجلس الهيئة حتى تقع محاسبتهم في الجلسات العامة كما قال «لاحظنا في الآونة الأخيرة أن المجلس الأعلى للقضاء منقسم بين جمعية ونقابة، كما أن المشاكل الهامة والأزمات التي مرّ بها القضاء لم يقع حسمها في الوقت المناسب على غرار الخلاف الكبير الذي جدّ بين الرئيس السابق لمحكمة التعقيب ووكيل الجمهورية السابق الذي خلّف صورة سيئة لدى عموم المواطنين فلو بادر المجلس بحلّ ذلك الإشكال في الوقت المناسب لما وصلت الأمور إلى هذا الحدّ في هذا الملف ويندرج قرار رئيس الجمهورية والذي ضمن تغيير التركيبة وهو مطلب من المطالب الملحة، وننتظر إصدار المرسوم حتى نطلع عليه ونعطي موقفنا منه»
وفي ردّ على تصريح رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قال بان عميد المحامين قد غيّر موقفه بخصوص إصلاح القضاء في الوضع الاستثنائي قال العميد بودربالة « لم نغير رأينا بالمرّة فنحن ضدّ إلغاء المجلس لأنه الضامن لاستقلالية القضاء ومكسب دستوري بل نحن ضد التركيبة الحالية وبالتالي يجب أن لا يقع أعضاء المجلس في حلبة التجاذبات السياسية.