التي زادت من حدّة الوضع وعرّت عديد الحقائق المفزعة في ما يتعلق بمدى احترام وضمان حقوق الإنسان في تونس رغم وجود حزمة من التشريعات التي تم سنّها ومنها القانون الذي يجرم العنف ضدّ المرأة وقانون مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، في المقابل وبلغة الأرقام فإن نسب الجرائم المرتكبة في حقّ هذه الفئات المستضعفة أقل ما يقال عنها أنها مفزعة.
تنظم الديناميكية النسوية وعلى رأسها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تنظم اليوم مسيرة وطنية صامتة مع ارتداء اللباس الأسود وستنطلق من ساحة الاستقلال وصولا إلى ساحة حقوق الإنسان بشارع محمد الخامس وذلك احتجاجا على ارتفاع نسبة النساء المعنفات وللمطالبة بوقف هذا النزيف تسهيل الولوج إلى العدالة عن طريق وضع آليات واضحة.
وقد لاقت عملية المصادقة على القانون الأساسي عدد 58 المؤرخ في 11 أوت 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ترحابا كبيرا من قبل كل الأطراف خاصة المنظمات والجمعيات الحقوقية النسوية التي اعتبرته خطوة مهمة وطال انتظارها لتكريس مبدإ حقوق الإنسان ووضع حدّ لنزيف العنف المسلط على النساء على جميع المستويات، ولكن بعد فترة وجيزة من دخول هذا القانون حيز التنفيذ (15 فيفري 2018) كشف الستار عن جملة من الإشكاليات والهنات التي تتضمنها هذه الوثيقة مما حال دون تطبيقها على الوجه الأكمل وهو ما جعل العديد من المتابعين وعلى رأسهم ممثلو النيابة العمومية المهتمون بقضايا العنف ضدّ المرأة الذين يطالبون بتعديله. من جهة أخرى وبالنظر إلى الملف بلغة الإحصائيات والأرقام المسجّلة على ارض الواقع كانت هذه الأرقام المفزعة خاصة مع الوضع الصحي الاستثنائي الذي تعيش على وقعه البلاد كسائر دول العالم بسبب جائحة كورونا حيث سجّلت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات خلال أقل من شهر ونصف وجود 500 امرأة معنفة،كما كشفت وزارة المرأة أن نسبة النساء ضحايا العنف سنة 2020 قد تضاعفت سبع مرات مقارنة بالنسب المسجلة قبل جائحة كورونا،أرقام دقّت مرة أخرى ناقوس الخطر لوقف هذه الجرائم التي تزداد بشاعة ( تنكيل، اغتصاب، حرق، قتل...) رغم وجود القانون.
من جهة أخرى ودائما في إطار الحديث عن حقوق الإنسان في تونس بين القانون والواقع فإن جريمة الاتجار بالبشر في ارتفاع مطّرد وأكثر الضحايا من الأطفال، حيث تضاعفت نسبة الاستغلال الجنسي لهذه الفئة أربع مرات (32%) في سنة 2020 مقارنة بسنة 2019 حسب ما كشف عنه التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر الذي تضمن أيضا أن العدد الجملي لضحايا الاتجار بجميع أشكاله قد بلغ 907 حالة مقابل 1313 حالة سنة 2019. الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ حيث نجد أطفالا من بين المتورطين في جرائم الاتجار للمرة الأولى منذ أربع سنوات منذ تركيز الهيئة وهذا مؤشر يعتبر خطيرا جدا ولا بد من التصدي لهذه الجرائم التي تستهدف الأطفال لاستغلالهم جنسيا واقتصاديا (التسول، بيع المناديل في الشوارع، التشغيل ...) أو استقطابهم ليكونوا متاجرين بالأشخاص رغم وجود القانون الأساسي عدد 61 المؤرخ في 3 أوت 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته وما تضمنه من عقوبات.
بين التشريعات والواقعة هناك هوّة كبيرة تزداد توسّعا في ظل غياب السياسات الواضحة للدولة في مجال حماية حقوق الإنسان التي يتم تطبيقها على ارض الواقع بتضافر جهود كلّ المتداخلين في المجال من وزارات ومؤسسات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والهيئات المختصة لوقف نزيف العنف ضد النساء وجرائم استغلال الأطفال، كذلك لإصلاح التباين الواضح بين القوانين، ناقوس الخطر دقّ ولا يزال ولكن لا وجود لنتائج تذكر على ارض الواقع باستثناء الشعارات التي ترفع مع كلّ مناسبة تتعلق بحقوق الإنسان والارقام المفزعة خير دليل على ذلك، فعن أي حقوق نتحدّث ،إلى أين ومتى الاستفاقة؟.