عاد هذا الملف مجدّدا إلى الظهور على الساحة حيث قالت الدائرة الجنائية بالمحكمة المذكورة كلمتها وأقرت بإدانة المتهمين العشرة وأصدرت أحكاما في حقهم تراوحت بين سنة و15 سنة سجنا حسب التهم الموجهة لكلّ منهم، حكم وقد أثار هذا الحكم جدلا واسعا خاصة وأن الحكم الابتدائي كان بعدم سماع الدعوى في علاقة بتهمة القتل العمد والمشاركة فيه.
تعود أطوار قضية الحال إلى أكثر من تسع سنوات حيث شهدت مدينة تطاوين بتاريخ 18 أكتوبر 2012 مظاهرة سلمية تطالب بالتنمية والتشغيل في الجهة سرعان ما تحوّلت إلى فوضى وتراشق بالزجاجات الحارقة «بالمولوتوف»، وقد أسفرت أعمال العنف عن مقتل المنسق الجهوي لحركة نداء تونس آنذاك لطفي نقض وهو رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة في نفس الوقت وقد تم فتح تحقيق من قبل النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتطاوين للوقوف على ملابسات الحادثة وتم إيقاف عدد من الأشخاص قبل إصدار بطاقات إيداع بالسجن في أربعة متهمين من بين عشرة.
تقريران مختلفان فاستجلاب
عرف هذا الملف الكثير من المنعرجات فكانت البداية بالتناقض الواضح الذي كان بين تقرير الطب الشرعي الأول الذي اجري في قابس وورد فيه أن أسباب الوفاة ناتجة عن سكتة قلبية ليأتي تقرير ثان تم إجراؤه في صفاقس من قبل مجموعة من الأطباء توصلوا فيه بعد معاينة الجثمان إلى وجود رضوض بكامل بدن الهالك مع كسور حصلت قبل وفاته على مستوى الأقواس الأمامية للضلعات الصدرية، بالإضافة إلى وجود علامات اختناق وبالتالي فإن الموت ناتج عن رضوض عنيفة بالصدر بواسطة أدوات راضّة نتجت عنها كسور بالأضلع اليسرى وكدمة متسعة وعميقة بالجهة الخلفية اليمنى للصدر واسترواح صدري من الجهتين تسبب في اختناق أدى إلى الوفاة وفق التقرير.
من جهة أخرى طالب القائمون بالحق الشخصي كذلك لسان الدفاع عن المتهمين باستجلاب الملف إلى أية محكمة أخرى تجنّبا لأي ضغوطات مهما كان نوعها، ولئن رفض القضاء طلب عائلة لطفي نقض إلا انه استجاب للطلب الثاني وتم استجلاب الملف القضية من ابتدائية تطاوين إلى المحكمة الابتدائية بسوسة وذلك بتاريخ 18 جوان 2013.
من عدم سماع الدعوى إلى الإدانة
وقد تعهدت المحكمة الابتدائية بسوسة بملف قضية مقتل الرئيس السابق للاتحاد الجهوي بتطاوين لطفي نقض وبعد ثلاث سنوات تقريبا من التحقيقات والأبحاث والجلسات أصدرت بتاريخ 15 نوفمبر 2016 حكما يقضي بعدم سماع الدعوى فيما يتعلق بتهمة القتل العمد والمشاركة فيه في ما وجّهت في وقت سابق لأربعة متهمين والصادرة في حقهم آنذاك بطاقات إيداع بالسجن واكتفت بإدانتهم في جنح تتعلق بتهم الاعتداء بالعنف والمشاركة في معركة وحمل سلاح ظاهر إذ حوكم اثنان منهم بسنة وأربعة أشهر سجنا وحكم آخر بسنة سجنا وحكم المتهم الأخير بـ4 أشهر سجنا وباعتبار تبرئتهم من القتل وإنهاء عقوباتهم سالفة الذكر تم إطلاق سراحهم وهو ما أثار حفيظة عائلة الهالك التي وصفت الحكم بغير المنصف والمسيّس خاصة وان تقرير الطب الشرعي الثاني شرح بالتفصيل أسباب الوفاة.
بعد مختلف الأشواط التي شهدها ملف الحال من استجلاب للملف من محكمة تطاوين إلى محكمة سوسة وإعادة تكييف التهم في أكثر من مرة بين القتل العمد والعنف الناتج عنه الموت انتهت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بسوسة، في 15 نوفمبر 2016 بالحكم بعدم سماع الدعوى في حق كافة المتهمين وعددهم 8، ليتم بذلك إطلاق سراحهم. لئن أمضت النيابة العمومية قرارات الإفراج عن المتهمين في القضية إلا أنها قامت باستئناف الحكم الذي قضى بتبرئتهم من تهمة القتل العمد والمشاركة فيه،كما استأنف الحكم نفسه من قبل القائمين بالحق الشخصي وبعد خمس سنوات أصدرت مؤخرا الدائرة الجنائية محكمة الاستئناف بسوسة حكما يقضي بإدانة جميع المتهمين وعددهم 10 وتوجيه تهمة القتل العمد لاثنين منهم وسجن كل واحد منهما مدة 15عاما،كما ثبتت إدانة متّهمين آخرين من أجل المشاركة في القتل العمد والسجن لكل واحد منهما 15عاما إلى جانب إدانة جملة المتهمين من أجل المشاركة في معركة حصل خلالها موت وسجن كل واحد منهم مدة عام واحد وتقرر تغريم أربعة من المحكوم عليهم بغرامة مدنية لفائدة ورثة الهالك لطفي نقض. علما وأن ما لوحظ في جلسة النطق بالحكم غياب كلي لجميع المتهمين وللسان الدفاع عنهم.
«سابقة قضائية»
لئن لاقى الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بسوسة استحسانا كبيرا في صفوف الرأي العام إلا انه وجد من كان له موقف مختلف على غرار سمير بن عمر محامي عدد من المتهمين في قضية الحال الذي وصف يوم النطق بالحكم باليوم الأسود في تاريخ القضاء التونسي وقال في تدوينة نشرها على صفحته الخاصة « مهزلة قضائية بإمضاء قضاء قيس سعيد .في سابقة قضائية لم تشهدها تونس من قبل، أصدرت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بسوسة حكمها في قضية لطفي نقض وقضت بإدانة المتهمين و وصلت الأحكام الصادرة إلى السجن مدة 15عاما المحاكمة وقعت دون مرافعات و دون استنطاق المتهمين و دون أبسط معايير المحاكمة العادلة، بعد أن فاجأت المحكمة الجميع (بما في ذلك محامي القائمين بالحق الشخصي) و أصرت على إصدار الأحكام رغم أن الملف غير جاهز للفصل و ذلك في قضية وجهت فيها على المتهمين تهمة القتل العمد و في طور استئنافي».
«واحد من بين المحكومين غادر البلاد»
أفاد قريب الهالك لطفي نقض أن احد المتهمين في القضية والمحكوم عليه بالسجن لمدة سنه من قبل محكمة الاستئناف موجود خارج البلاد حيث غادر منذ صدور حكم بعدم سماع الدعوى في حقه سنة 2016 وذلك بعد أن تم إعادة تكييف التهم من القتل العمد إلى العنف الشديد الناتج عنه الموت. من جهة أخرى فإن الحكم الاستئنافي ليس نهائيا وقابل للطعن بالتعقيب.
«لجنة للحسم بين تقريري قابس وصفاقس»
من بين الطلبات التحضيرية التي تقدّم بها لسان الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي إلى محكمة الاستئناف بسوسة هي تكوين لجنة للحسم فيما يتعلق بتقريري الطب الشرعي الذين صدرا فيما يتعلق بمعاينة جثة لطفي نقض والوقوف على أسباب الوفاة خاصة وأن التقرير الأول بين أن الوفاة ناتجة عن نوبة قلبية فيما اثبت التقرير الثاني أن العنف الذي تعرّض إليه الهالك تسب له في رضوض واختنا فادى إلى وفاته، تمت الاستجابة لهذا المطلب وفي ديسمبر 2020 أصدرت اللجنة تقريرها الذي أقرّ بأن الموت ناتج عن العنف وهو ما استندت إليه المحكمة في حكمها وفق ما أفادتنا به أرملة لطفي نقض.
«ما ضاع حق وراءه طالب»
وصفت أرملة لطفي نقض الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بسوسة والقاضي بإدانة جميع المتهمين بتهمة القتل العمل والمشاركة في القتل العمد بأنه ردّ اعتبار لزوجها ولعائلته خاصة بعد الحكم «المهزلة» الذي صدر في 2016 بعدم سماع الدعوى رغم ما تضمنه تقرير الطب الشرعي في صفاقس وفق تعبيرها ،هذا وقالت هدى نقض في تصريح لـ«المغرب» عقب صدور الحكم «الحمد الله القضاء يتعافى وقد أنصفنا بعد تسع سنوات من الانتظار فما ضاع حقّ وراءه طالب ونحن لم نستسلم يوما ومقتنعين بأن الحكم بعدم سماع الدعوى جائر وقد سعينا لإثبات ذلك».
ملف مقتل لطفي نقض يبوح بالجديد بعد خمس سنوات من استئناف الحكم الابتدائي: حكم بإدانة جميع المتهمين، أرملة نقض تصفه بردّ للاعتبار والطعن بالتعقيب وارد
- بقلم نورة الهدار
- 09:20 18/11/2021
- 1420 عدد المشاهدات
بعد مرور خمس سنوات على تعهّد محكمة الاستئناف بسوسة بقضية مقتل المنسق الجهوي السابق لحزب نداء تونس لطفي نقض