تكليف سعيّد وزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء: الهياكل المهنية للقضاة تقول نعم للإصلاح،لا لحلّ المجلس والأخير يقرّر الصمت

كلّف رئيس الجمهورية قيس سعيّد مؤخرا وزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء دون أن يقدّم أية تفاصيل

إضافية حول ما إذا كان الهدف من هذه الخطوة إدخال بعض التعديلات على القانون الحالي للمجلس أم أن المسألة يمكن أن تصل إلى إصدار مرسوم يلغي هذا الهيكل القضائي، هذا الغموض أثار حفيظة الهياكل المهنية للقضاة التي عبّرت عن رفضها التام للمسّ من استقلالية السلطة القضائية، في المقابل اكتفى المجلس الأعلى للقضاء بلعب دور المتفرّج في خضمّ هذا الجدل وهذه المخاوف.
لقي المجلس الأعلى للقضاء منذ انطلاق أعماله في 2016 عديد الانتقادات حيث وصف أهل الدار من قضاة وهياكل مهنية كذلك جلّ المتابعين للشأن القضائي أداءه بالهزيل جدّا ودوره بالسلبي على عديد المستويات، وقد ازداد منسوب الانتقاد في الآونة الأخيرة خاصة مع الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد وتقديم ائتلاف الهياكل المهنية للقضاة رؤية إصلاحية طالب فيها بتعديل تركيبة المجلس وإلغاء المنح الذي يتمتع بها أعضاء هذا الهيكل.
«لا للتوجه الانفرادي نعم للحوار»
عبّرت جمعية القضاة التونسيين عن استغرابها من عدم استشارتها قبل تكليف وزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء واعتبرت انه كان من الأجدر أن يجلس رئيس الجمهورية مع الهياكل الممثلة للقضاة ومع المجلس لتقييم المرحلة والتحاور حول مكامن الخلل، هذا وقال رئيس الجمعية أنس الحمادي في تصريح لـ«المغرب» إن « الخطوة التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد بتكليف وزارة العدل لإعداد مشروع قانون للمجلس الأعلى للقضاء اتسمت بالغموض وفتحت الباب للكثير من التساؤلات حول هذه الدعوة هل هي بغاية الإلغاء التام للمجلس وهذا مرفوض أم بهدف إدخال تعديلات على القانون الحالي، وفي كلّ الاتجاهات هناك مخاوف من أن تكونالغاية من المسألة التسويق السياسي خاصة وأن المجلس الأعلى للقضاء جزء فقط من المنظومة القضائية ككل وإصلاح السلطة القضائية لا يختصر في هذا الهيكل بل هناك عديد الجوانب الأخرى على غرار التفقدية العامة بوزارة العدل»
هذا وأكد الحمادي أن الجمعية مع الإصلاح ولكنها ضدّ التوجه الانفرادي والفوقي لرئيس الجمهورية الذي يتبع سياسة الأمر الواقع خاصة في ظلّ غياب الضمانات بعد حلّ البرلمان وبالتالي غياب النقاش صلب اللجان كذلك حلّ الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ،وقد دعا في ذات السياق إلى ضرورة فتح حوار جدّي بين جميع الأطراف المتداخلة من مجلس وهياكل مهنية وغيرها حتى يكون للإصلاح معنى وان جمعية القضاة لا تقبل كهيكل مهني للقضاة أن تكون عنصرا للديكور والزينة فقط وفق قوله.
«المجلس الأعلى للقضاء مكسب»
في قراءته لتكليف رئيس الجمهورية لوزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء اعتبر اتحاد القضاة الإداريين أن المسألة غير واضحة وأنها تحتمل فرضيتين إما أن يكون الهدف من ذلك إصدار مرسوم جديد لحلّ المجلس تماما أو لتعديل القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 والمعمول به حاليا وفي هذا الإطار قالت رفقة المباركي رئيسة الاتحاد «المجلس الأعلى للقضاء وبقطع النظر عن تقييم أداءه يعتبر مكسبا كبيرا للسلطة القضائية كهيكل وبالتالي نرفض رفضا قطعيا فرضية التوجه نحو حلّه في المقابل فإن الاتحاد مع التعديل والإصلاح ويرحب بالفكرة شريطة أن يتم تشريكه ودعوته للحوار من قبل وزارة العدل عند صياغة المشروع الجديد ولم لا تمثيله في لجنة الصياغة حتى يقدّم رؤيته الإصلاحية ومقترحاته فنحن نرحب بفكرة الإصلاح مع المحافظة على المكتسبات» ،هذا وعبّرت المباركي عن تخوّف اتحاد القضاة الإداريين من أن تضع السلطة التنفيذية يدها على السلطة القضائية عن طريق المجلس الأعلى للقضاء.
«لسنا ضدّ الإصلاح ولكن...»
وقد ضمّت نقابة القضاة التونسيين من جهتها صوتها إلى بقية الهياكل وعبّرت عن تخوفها من إعادة هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية من خلال تكليف رئيس الجمهورية وزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ذلك ان مبدأ الفصل بين السلط يعني التكامل لا أن تدخل كلّ سلطة تحت جلباب الأخرى وفق تعبير أميرة العمري التي قالت أيضا «لسنا ضدّ الإصلاحات ولكنه لا بد من تمثيل القضاة ونحن كنقابة ندعو وزارة العدل إلى التفاعل الايجابي مع الهياكل الممثلة للقضاة في إصلاح المنظومة القضائية ككل ولا بد أن يتم الاحتكام إلى إرادة القضاة وتصوراتهم فنحن في لحظة تاريخية فارقة لا بد من أن نفتك فيها سلطة قضائية مستقلة لأن القضاء اكبر من التجاذبات ومن الهياكل فهو يهم المواطن».
استغراب واستنكار» من سلبية المجلس»
السؤال الذي طرح وبقوّة بعد قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد تكليف وزارة العدل بإعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء وما اثاره من جدل وردود أفعال هو أين المجلس وما موقفه؟ خاصة وأنه معني مباشرة بالمسألة، صمت وسلبية لئن تعوّد عليها هياكل المهنة وكذلك الرأي العامة إلاّ أنها لاقت هذه المرّة استنكارا واستغرابا كبيرين سواء من جمعية القضاة واتحاد القضاة الإداريين كهياكل ممثلة للقضاة أو كمتابعين للشأن القضائي عامة ،في هذا السياق وصفت رفقة المباركي رئيسة الاتحاد سالف الذكر أن غياب أي موقف للمجلس الأعلى للقضاء في هذه المسألة بالشيء المؤسف بالرغم من أنه عوّدنا بالسلبية على حدّ قولها، من جهته اعتبر أنس الحمادي رئيس جمعية القضاة التونسيين أن المجلس يفتقد الى سياسة اتصالية واضحة رغم تنبيه الجمعية لهذه النقطة في أكثر من مناسبة وصمته تجاه ما يحدث اليوم يثير الاستغراب.
المجلس الأعلى للقضاء يقرر عدم الخوض في المسألة من الاساس
استأثرت مسألة الدعوة إلى إعداد مشروع قانون للمجلس الأعلى للقضاء باهتمام كبير من الرأي العام وما أثارته من جدل على الساحة القضائية خاصة وأن هذه الدعوة جاءت فضفاضة خلال المجلس الوزاري الأخير ولم يتعمق رئيس الجمهورية في تفاصيلها ولكن من المفارقات التي وصفت بالعجيبة هي الموقف السلبي للمجلس الأعلى للقضاء، ففي الوقت الذي انتظر منه الجميع أن يصدر بيانا رسميا يعبّر فيه عن وجهة نظره تجاه ما يحصل أو أن يقدّم توضيحات للرأي العام فإن المجلس خيّر كالعادة الصمت بل قرّر عدم الخوض في الموضوع من الأساس في الجلسة العامة التي عقدها يوم بعد قرار رئيس الجمهورية تكليف وزارة العدل بإعداد مشروع القانون، قرار الذي من المفترض أن يكون ضامنا لحسن سير القضاء ولاستقلالية السلطة القضائية الاكتفاء بدور المتفرّج بتعلّة أن السلطة التشريعية بيد رئيس الجمهورية، مقابل حماس كبير من الهياكل المهنية للقضاة التي قالت بصوت واحد لا لحلّ المجلس الأعلى للقضاء يثر جدلا كبيرا وتساؤلات أكبر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115