تواصل غياب الذين تنسب اليهم الانتهاكات عن جلسات الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية: بطاقات جلب لـم تنفذ وشكايات جزائية ضد أعوان الضابطة العدلية

رغم مرور سنوات على الثورة إلاّ ان سفينة العدالة الانتقالية لا زالت شبه معطلة تقريبا وقد شهدت عديد العثرات في طريقها بداية من هيئة الحقيقة والكرامة

وصولا الى الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية والتي تم ارساؤها منذ سنوات وعهّدت بملفات ضحايا الاستبداد من اجل الوقوف على حقيقة ما تعرضوا اليه من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ومحاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات ولكن النتيجة تقريبا لا شيء باستثناء تواصل جلسات الاستماع الى الضحايا والشهود في ظل غياب تام -تقريبا- للذين تنسب اليهم الانتهاكات وهو ما اثار حفيظة العديد من اصحاب القضايا المنشورة الذين قرروا مقاضاة اعوان الضابطة العدلية ،هذا وقد ادان عدد من منظمات وجمعيات المجتمع المدني مثل هذه الممارسات بوصفها بالإفلات من العقاب.
كانت الانطلاقة الفعلية لعمل الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية في ماي 2018 حيث نظرت دائرة قابس في اولى القضايا المتعلقة بالضحية كمال المطماطي الذي اختفى قسرا مند 1991 بعد ان تم ايقافه وتعذيبه الى حد الموت وقد تم سماع عدد من الشهود من بينهم عبد الفتاح مورو الذي روى بان احدهم اخبره بمعلومة مفادها ان المطماطي دفن في خرسانة اسمنتية في محول بالعاصمة.
واصلت الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية اعمالها منذ ذلك التاريخ حيث انطلقت بقية الدوائر الموزعة على 13 ولاية في ابحاثها بخصوص الملفات المنشورة لديها سواء من الذين تعرضوا الى انتهاكات جسيمة من اغتصاب وتعذيب وقتل وسجن لسنوات على يد نظام بن علي على غرار ملف احداث الخبز وبراكة الساحل والقائمة تطول و كذلك ملفات شهداء الثورة ومصابيها الذين سقطوا خلال الثورة ،ومن ابرز الصعوبات التي اعترضت هذه الدوائر تغيّب المتهمين او مرتكبي الانتهاكات عن جلسات المحاكمة وهو ما حال دون حسن سيرها والتقدم في اشغالها، نقطة اثيرت منذ ثلاث سنوات تقريبا وخلّفت الكثير من الجدل والاستنكار من عديد المتابعين خاصة من ممثلي المجتمع المدني الذين اعتبروها تكريسا للإفلات من العقاب وبالتالي تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلا ولكن تواصل الحال على ما هو عليه حتى بعد ان اصدرت الدوائر بطاقات جلب في حق مرتكبي الانتهاك المتغيبين عن مواعيد الجلسات.
وامام هذا الوضع قدّم عدد من الضحايا شكاية الى القضاء ضدّ أعوان الضابطة العدلية الذين لا ينفذون بطاقات الجلب الصادرة وبالتالي السماح للجلادين بالتهرب من العدالة وفق نص البيان المشترك الذي اصدرته 18 منظمة وجمعية عبرت فيه عن دعمها لهذه المبادرة لإنهاء العدالة المزدوجة ذات الوجهين لأن الكشف عن الحقيقة والمساءلة والمصالحة المحتملة تحصل وذلك يتطلب مشاركة متساوية من طرف الجناة وضحايا الانتهاكات على حد سواء ولكن الحال يختلف على ارض الواقع إذ يحضر في كل جلسة أمام الدوائر المتخصصة، الضحايا وينتظرون بلا جدوى على أمل أن يأتي المنسوبة إليهم الانتهاكات لتسليط الضوء على آلية الجلاد وكشفها، إلا أن مقاعد المتهمين تكون في غالب الأحيان شاغرة.
كما ورد في نص البيان أنه في القانون الجزائي التونسي، كما هو الحال في كل الأنظمة القانونية الأخرى، لا تعتبر مشاركة المتهم في محاكمته الجنائية اختيارية. وقبل كل جلسة، توجه المحكمة الاستدعاءات لحضور جلسة المحاكمة. وعندما يستمر المتهمون في تجنب المحاكمة، تصدر المحكمة بطاقات جلب تنفذها الضابطة العدلية وتقبض على المتهربين من العدالة لتضمن حضورهم لدى المحكمة. ورغم ذلك يتخلفون عن الموعد والسبب عدم تنفيذ بطاقات الجلب مما جعلها إجراء دون قيمة حيث لا يمكن إيجاد المنسوبة إليهم الإنتهاكات على الرغم من أن العديد منهم من المديرين التنفيذيين السابقين لجهاز الأمن ويسهل تحديد موقعهم. بل إن الضحايا شاهدوا بعضهم مراراً وتكراراً في أماكن مختلفة.
هذا وتساءلت المنظمات والجمعيات الممضية عن تفسير لهذا التغيب وعجز الجهاز القضائي عن إنفاذ القانون؟ مبينة ان العلاقة المنسوبة اليهم الانتهاكات وأعوان الضابطة العدلية، الذين يفترض أن يضمنوا حضورهم في المحاكمات، تتسم بهيمنة عميقة ذلك أن النقابات الأمنية دعت في مناسبات عديدة موظفي إنفاذ القانون إلى عصيان القانون في سياق العدالة الانتقالية وفق تعبيرهم
من جانب آخر وصف البيان غياب العديد من المتهمين في المحاكمات بأنه ضربة لسيادة القانون وتكريس مبدأ العدالة المزدوجة ذات الوجهين التي تميز وفقا لنوعية المتهمين، العدالة الفعالة للمدعى عليهم المواطنين النافذين ضد عدالة استثنائية أكثر تساهلا بالنسبة للمتهمين المنتمين للأسلاك الأمنية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115