عقوبتها تصل الى الاعدام: جريمة طفل الملاسين تكشف تضاعف حالات الاستغلال الجنسي للأطفال

رغم تطور المجتمعات فان الجريمة لا تزال تستعير بعض مظاهرها التقليدية والبدائية في المجتمع التونسي وهو ما يتمثل خاصّة في جرائم الاعتداء على الأطفال سواء أكانت جرائم جنسية او جرائم عنف او جرائم قتل، كتلك التي هزّت أول أمس الثلاثاء ضواحي العاصمة.

جريمة لا يختلف حولها اثنان تلك التي عمد إلى ارتكابها رقيب بالجيش الوطني، بالغ من العمري 25 سنة أصيل منطقة حي هلال بتونس. رغم اختلاف الروايات بين شهود ومصادر مختلفة تبقى الجريمة بشعة بكلّ ما تحمله من معاني. قام الجاني باختطاف طفل في سنّ الرابعة تقريبا من بين ايدي شقيقته، بعد بضع سويعات يتم العثور على جثة الطفل ملقاة تحمل اثار ذبح...

تعهدت المحكمة الابتدائية تونس 2 باعتبارها المختصة ترابيا، لتتخلى فيما بعد عن الملف إلى المحكمة العسكرية نظرا لكون الجاني عسكريا. في هذا الإطار التقت «المغرب» من خلال بالقاضي والدكتور في القانون فريد بن جحا وضع الجريمة في إطارها القانوني.
«لا مفرّ من الاعدام»

افاد محدّثنا بانه واذا ما ثبت أثناء البحث أن الطفل قد تمّ اختطافه بعد التخطيط إلى ذلك وبنيّة قتله فانّ المجرم سوف توجه له جريمتا القتل العمد مع سابقية القصد المرتكب اثر جريمة اختطاف طفل سنه دون 18 سنة طبق الفصول 201 و202 و204و237 من المجلة الجزائية فالعقاب المستوجب يكون الاعدام حتى ولو في صورة انتفاء سابقية التخطيط لهذه الجريمة باعتبار ان الفصل 237 ينصّ على ان العقاب يكون الإعدام اذا ترتب عن الاختطاف او تحويل الوجهة موت الطفل.
واذا تبين من خلال تقرير الطب الشرعي ان الجاني قد اعتدى جنسيا على الضحية قبل قتله، فانّ الوصف القانوني للجريمة يكون القتل العمد المرتكب اثر جريمة اعتداء بفعل الفاحشة على طفل دون سن الـ18 باستعمال التهديد طبقا الفصلين 204 و228 من المجلة الجزائية والعقوبة المستوجبة هي بدورها الاعدام. نستنتج اذا انه بالنظر الى خطورة الجرم المرتكب وبالنظر الى سنّ الضحية ولان الامر يتعلق بجريمة قتل مرتبطة بجريمة اخرى سواء كان الاختطاف او الاعتداء بفعل الفاحشة فان العقوبة المستوجبة لا يمكن ان تكون غير عقوبة الاعدام.

«في اختصاص المحكمة»
بالنظر الى صفة الجاني، وباعتباره رقيبا بالجيش الوطني فانّ المحكمة المختصة تكون المحكمة العسكرية ليس بالنظر الى نوع الجريمة وإنما بالنظر الى وظيفة الجاني. علما وانه يقع التحقيق لدى القضاء العسكري وتمرّ القضية فيما بعد إلى دائرة الاتهام بالمحاكم العدلية وفي صورة ثبوت توفر أركان الجريمة ونسبتها للجاني فانّ المحكمة المختصة تكون الدائرة الجنائية بالمحكمة العسكرية. وفي ردّه على مسالة تغيب الجاني عن المؤسسة العسكرية ليومين دون رخصة اي بصفة غير قانونية، اعتبر فريد بن جحا انه طالما لم يقع احالته على مجلس التأديب او عزله فانه يبقى محتفظا بصفته كجندي وتكون المحاكم العسكرية وحدها المختصة بالنظر وهو أمر أثار جدلا كبيرا لدى الحقوقيين باعتبار انّ الجريمة مدنية وانّ القضاء العسكري يبقى قضاء استثنائيا ويجب في هذا الاتجاه تنقيح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية حتى يكون اختصاص المحاكم العسكرية موضوعيا اي يتسلط فقط على الجرائم ذات الصبغة العسكرية كإفشاء أسرار الدفاع الوطني او استهداف الثكنات العسكرية او جريمة فرار جندي من الخدمة العسكرية... في حين اذا ارتكب عسكري جريمة مدنية وضمانا للمحاكمة العادلة فانه يجب انّ تختص بالنظر المحاكم المدنية تفاديا لاي انتقاد يتاسس على وجود محاباة باعتبار انتماء المظنون فيه للمؤسسة العسكرية.
علما وانه ورغم تنقيح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية قصد إرساء مزيد من الضمانات للمحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري فانّ المنظمات الحقوقية تنظر للقضاء العسكري على أساس انه قضاء استثنائي لا يجب ان يحاكم المدنيين اوان ينظر في غير الجرائم العسكرية.

«إشكالات عدم التنفيذ»
بخصوص عقوبة الإعدام تجدر الإشارة إلى انّ جلّ الدول وخاصة الأوروبية منها قد ألغت عقوبة الإعدام من تشريعاتها وقوانينها في حين أبقت دول أخرى وخاصة التي تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية على هذه العقوبة وتنفذها في بعض الجرائم واختارت دول أخرى موقفا وسطا من خلال النطق بالعقوبة دون تنفيذها كما هو الحال في القانون التونسي إذ يعود آخر تنفيذ لعقوبة الاعدام الى بداية التسعينات واصبحت منذ ذلك الوقت هذه العقوبة تستبدل بالسجن المؤبد.

انّ السياسة الجزائية في كل دولة تقوم على إصلاح السلوك الإجرامي والحفاظ على إدماج من زلت بهم القدم لأول مرة من خلال تفادي العقوبات السالبة للحرية قدر الإمكان وتمتيع المبتدئين بالعقوبات البديلة من اجل المحافظة على إدماجهم في المجتمع. اما بالنسبة للجرائم الخطيرة والبشعة فانّ السياسة الجزائية يجب أن ترتكز على الردع حتى لا يتكرّر السلوك الإجرامي والحفاظ على استقرار المجتمع لذلك حصل جدل كبير أثناء تحرير الدستور الجديد حول الإبقاء على عقوبة الإعدام من عدمها خاصّة. وقد انتهى نواب المجلس التأسيسي انذاك الى دسترة الحق في الحياة مع التنصيص على امكانية الحدّ من هذا الحقّ في الحالات الاستثنائية اي في الجنايات الخطيرة كجرائم الاعتداء على الاشخاص (القتل العمد المسبوق باضمار) او الاعتداء على الشرف والاخلاق الحميدة (كجرائم الاغتصاب

باستعمال السلاح والتهديد او اذا كان سنّ الطفلة اقل من 10 سنوات) او الجرائم التي تمسّ بالامن القومي بما في ذلك الجرائم الارهابية، وهو امر اعتبره القاضي فريد بن جحا منطقيا ومعقولا باعتباره يفسر موقف جل التونسيين من المناداة بتفعيل عقوبة الإعدام ضدّ المجرم الذي ارتكب جريمة أول أمس وذلك بالنظر إلى بشاعة الجريمة ، حيث لن يتم القبول بعقوبة اخفّ حتى يتحقق الردع ولتجنب تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلا علما وانّ مصدر الدستور هو الإسلام وكذلك دين الدولة والشريعة الإسلامية تعتمد هذه العقوبة وطالما لم يقع إلغاؤها من المجلة الجزائية فلا شيء يمنع من تنفيذها في بعض الحالات الضيقة والجرائم التي تهز الرأي العام حتى لا يطمع الجاني في حصول عفو يسمح بالإفراج عنه بعد مرور بضع سنوات.

كما تجدر الإشارة إلى ان البلاد التونسية ملتزمة بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان وخاصة مصادقتها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هو الذي قد يبرّر تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام رغم النطق بها يوميا من طرف المحاكم التونسية خاصة وانّ مخالفة هذا الالتزام الدولي قد يترتب عنه حرمان تونس من بعض الامتيازات وحتى المساعدات المالية من طرف صندوق النقد الدولي باعتبار ان المجتمع الدولي يستخدم هذه المساعدات كورقة للتحكم في سياسات الدول النامية ويتدخل في شؤونها الداخلية تحت حجة احترم حقوق الانسان ويستعمل على هذا الاساس معايير مزدوجة خاصة وكلنا نعلم وان بعض المقاطعات في الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تطبق هذه العقوبة وتتفنن في اختيار أساليب تنفيذها.

«الجاني كان في صحة جيّدة»
قال الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع المقدم بلحسن الوسلاتي في تصريح لـ«المغرب» بانّ المتهم بخطف وذبح طفل الأربع سنوات هو رقيب بالجيش الوطني، موضحا بانّ سلوكه كان عاديا جدّا لا يبعث بأي طريقة من الطرق على وجود شبهة حول ما تمّ تداوله من انه يعاني اضطرابات نفسية. وأكّد محدّثنا بأنّ المظنون فيه كان، في وقت سابق، قد قضى عقوبة بشهر سجنا من اجل السكر والتشويش.

غياب المنظمات والجمعيات
رغم بشاعة الجريمة التي اقترفها الرقيب بالجيش الوطني ضدّ طفل الاربع سنوات، الّا انه والى حدّ كتابة هذه الأسطر لم يتم تسجيل أي تنديد من قبل المنظمات والجمعيات الحقوقية، التي طالما نادت بالغاء عقوبة الاعدام والعمل على ضمان حقوق الانسان.

564 اشعارا بالاستغلال الجنسي للاطفال
تفاقم عدد الاشعارات بخصوص اشكال الاستغلال الجنسي للاطفال بشكل هام اي من 50 اشعارا في 2010 الى 564 سنة 2015، الامر الذي يؤكد الوعي بعدم السكوت على ظاهرة الاستغلال الجنسي للاطفال وفق ما اكده مندوب حماية الطفولة مهيار حمادي في تصريح لـ«المغرب».

واوضح محدّثنا بانّ حالات التحرش الجنسي بالاطفال تقدر بـ 51.6 % في حين تمثل نسبة ممارسة الجنس مع الاطفال 33.2 % . وتمثل نسبة 4.8 % الاشعارات المتعلقة بتعريض الطفل لمشاهد او ممارسات جنسية او حالات استغلال جنسي عبر وسائل الاتصال الحديثة و 5.7 % بالنسبة للممارسات الجنسية الحية للاطفال، فيما تمّ تسجيل 12 اشعارا بخصوص زنا المحارم.

اما فيما يتعلق بقضية طفل الاربع سنوات فقد افاد مهيار بانها تدعى بـ«حالات الخطر الملمّ»، مؤكدا بانّ المندوبية انطلقت منذ يوم الواقعة بالاتصال مباشرة بعائلة الضحية، وستباشر في غضون الأيام القليلة المقبلة الاحاطة النفسية والمادية للعائلة وخاصة بالطفلة التي كانت رفقة شقيقها اثناء اختطافها. كما ستعمل على تكثيف نشاطاتها للاحاطة بالقصّر وبالعائلات كذلك، داعيا الى ضرورة الوعي بخطورة الاستغلال الجنسي للاطفال والاسراع بالابلاغ عن ذلك في صورة حدوثه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115