ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الجمهورية السابق على طاولة المجلس الأعلى للقضاء: الأوّل يظهر إعلاميا لتبرئة نفسه، والثاني يطالب برفع واجب التحفظ في انتظار قرار المجلس الأعلى للقضاء

يتواصل الجدل حول ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وشبهات الفساد الذي تلحقه خاصة بعد ظهوره الاعلامي مؤخرا في إحدى القنوات الخاصة للحديث

عن الموضوع الذي خرج من اروقة ومكاتب المجلس الاعلى للقضاء والتفقدية العامة بوزارة العدل لينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في المعركة بين وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي والرئيس الاول لمحكمة التعقيب الطيب راشد، هذه المسألة كانت محلّ نظر المجلس الاعلى للقضاء الذي اجتمع امس الثلاثاء 24 نوفمبر الجاري من أجل تحديد المسؤوليات وفرض العقوبات اللازمة على الطرفين خاصة في ظلّ ما وصلت اليه الامور بينهما.
وكان وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي كان قد تقدّم منذ شهرين تقريبا بمطلب لرفع الحصانة عن الرئيس الاول لمحكمة التعقيب الطيب راشد وذلك في اطار ثلاثة ملفات منشورة ّة تتعلق بتجاوزات وشبهات فساد مالي واثراء غير مشروع وهذا الاخير اعتبرها شكايات مفبركة وتنم عن حقد دفين يكنه له العكرمي.

بداية المعركة
كانت الامور قبل شهرين تسير بشكل عادي حيث تقدّم وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس بمطلب في رفع الحصانة عن الرئيس الاول لمحكمة التعقيب على خلفية تورطه في ملفات فساد ورشوة وقد سرد كلّ تفاصيلها في تقرير مفصّل يحمل ارقام العقارات والاملاك ولكن وبعد اعادة اثارة المسألة في جلسة الحوار التي جرت صلب البرلمان مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الاعلى للقضاء منذ اسبوعين تقريبا كان ذلك بمثابة البنزين الذي سكب على النار حيث خرج الطيب راشد عن صمته ليوجّه مكتوبا الى التفقدية العامة لوزارة العدل عدّد فيها حزمة من التجاوزات المنسوبة الى البشير العكرمي في ما يتعلّق بملفي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وملف ما عرف بالتآمر على أمن الدولة وانه قام بتهديد رئيسة مجلس القضاء العدلي في صورة عدم قبول اعتراضه على قرار نقلته من خطّة النيابة العمومية الى مدع عام للشؤون الجزائية، وتم تسريب المكتوب لتتحوّل المعركة بين قاضيين من القضاة السامين من أروقة المحاكم والتفقدية الى فضاء أوسع لنجد غسيل القضاة منشورا على الملإ وهي المرة الاولى التي يحصل فيها ذلك خاصة وأن الامر يتعلق بأعلى الخطط القضائية، وقد خرج الرئيس الاول لمحكمة التعقيب قبل يوم من النظر في مطلب رفع الحصانة عنه في حوار تلفزي محاولا تبرئة نفسه مما نسب اليه واثار عديد الاشكاليات الاخرى في حديثه عن الضغط لتنحية وكيل الجمهورية الحالي واتهام جمعية القضاة التونسيين بالانحياز الى طرف دون آخر في خدمة لأجندات معينة وهو ما يضع اليوم استقلالية القضاء في الميزان والوضع القضائي تحت المجهر.

ظهور اعلامي وصف بالعملية الانتحارية
المكتوب الذي ارسله الرئيس الاول لمحكمة التعقيب للتفقدية العامة بوزارة العدل تم تسريبه ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي الامر الذي اثار ردود أفعال مختلفة فهناك من اعتبرها فرصة لتسليط الضوء على ملف هام جدّا وهو الفساد في قطاع القضاء ومحاسبة الضالعين فيه وتطبيق القانون على الجميع وهناك من اعتبره نشرا لغسيل قطاع حسّاس ووضع استقلالية القضاء في الميزان خاصة وأن المعركة اندلعت بين قاضيين من القضاة في خطط سامية ومن المفترض أن يكونا قدوة في احترام القانون وسرية التحقيقات وانه لا يجوز الحديث في مثل هذه الاشكاليات على الملإ وتراشق بالاتهامات من المفترض ان تكون فقط لدى الجهات الادارية والقضائية المختصة للبت فيها وخروجها للإعلام ولصفحات التواصل الاجتماعي أمر غير مقبول، من جهته أكّد الرئيس الاول لمحكمة التعقيب الطيب راشد أن عملية التسريب بفعل فاعل وهي مقصودة وذلك خلال حواره الذي بثّته قناة التاسعة، والذي اثار بدوره جدلا واسعا خاصة وأنه بثّ يوما قبل البتّ في مطلب رفع الحصانة المنشور لدى المجلس الاعلى للقضاء وهناك من وصفه بالعملية الانتحارية خاصة في ظلّ فتح التفقدية العامة لتحقيق بخصوص هذه المعركة وكذلك التسريبات. من جهة اخرى هناك من القضاة من طالب راشد بالرحيل بعد فشله في الحفاظ على منصب رئاسة محكمة التعقيب.
مطلب رفع الحصانة تلقاه المجلس الاعلى للقضاء منذ اكثر من شهرين الامر الذي فتح باب التساؤل حول هذا التأخير في اتخاذ القرار المناسب سواء بالقبول أو بالرفض خاصة وأن الطيب راشد معيّن بالصفة عضو في المجلس الاعلى للقضاء وكذلك رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين؟ جمعية القضاة التونسيين اعتبرت انه لا وجود لأي مبرّر والمجلس علّل الامر بأنه كان منهمكا في ملف الحركة القضائية.

الحصانة والاتهامات المتبادلة
من جهته عبّر الرئيس الاول لمحكمة التعقيب عن عدم تمسّكه بالحصانة وانه توجه من تلقاء نفسه الى قلم التحقيق المتعهّد بإحدى الملفات وطلب منه التعامل معه كمواطن عادي في حركة منه للتعبير من تخليه عن الحصانة ولكي يتم سماع وجهة نظر المعني بالأمر صلب المجلس الاعلى للقضاء سواء بصفة مباشرة او كتابيا قبل أن يتخذ القرار.
عقد المجلس الاعلى للقضاء أمس الثلاثاء جلسة عامة للنظر في ملفي رفع الحصانة عن الرئيس الاول لمحكمة التعقيب وعن مراسلة هذا الاخير للتفقدية العامة بوزارة العدل وما اثارته هذه المعركة وكذلك مسألة الظهور الاعلامي للرئيس الاول لمحكمة التعقيب وما خلّفته من جدل وقد تواصلت الجلسة لساعات ولم يتم اتخاذ اي قرار الى حدّ كتابة هذه الاسطر.

مطلبان في رفع واجب التحفظ
في الوقت الذي خرج فيه الرئيس الاول لمحكمة التعقيب للإعلام وخاض في جملة من القضايا المنشورة في حديث عن تجاوزات بشأنها نسبها الى وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي، هذا الاخير وبعد نفيه لكلّ ما ورد في مراسلة التفقدية العامة لوزارة العدل توجّه بمكتوبين لكل من المجلس الاعلى للقضاء ومجلس القضاء العدلي يتعلقان برفع واجب التحفظ عنه حتى يتمكن من الرد على ما يتم تداوله وانارة الرأي العام سواء في علاقة بهذه الملفات الحساسة المرتبطة بالأمن العام وبالمراكز القضائية المتصلة بها أو بأدائه القضائي فيها وفق تتعبيره. كما اعتذر عن الإدلاء بتصريحات إعلاميّة لتقيّده كقاض بواجب التحفّظوفي هذا الإطار أشار إلى انّه لا يمكنه الحديث أو الإدلاء بتصريح بخصوص القضايا التي مارس بشأنها وظائف وأعمال قضائيّة الا اذا اذن له مجلس القضاء العدلي والمجلس الأعلى للقضاء، مؤكّدا أنّه سيبقى محترما لواجب التحفّظ وللقانون وللأخلاقيات القضائية. مطالبا المجلسين بتحديد موعد الاستماع إليه بخصوص ادعاءات الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الواردة في التقرير المسرب أو ما جاء على لسانه في البرنامج التلفزي، موضّحا في الآن نفسه أنّ التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل باشرت في إبانها ابحاثا معمقة في خصوص تلك القضايا في إبانها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115