بعد أن اعتبروا إيواءهم في مركز الوردية «احتجازا قسريا»: عدد من المهاجرين الأفارقة يرفعون دعوى ضدّ وزارة الداخلية وهذا ما قرّرته المحكمة الإدارية

أصدرت وزارة الداخلية منذ أكثر من ثلاثة أشهر قرارات بإيواء عدد من المهاجرين الأفارقة بمركز الإيواء والتوجيه بالوردية الأمر الذي أثار حفيظتهم

واعتبروا أن العملية احتجاز غير قانوني وهو ما جعلهم يلتجئون إلى القضاء الإداري إذ تقدّم أكثر من 20 نزيلا بقضايا استعجالية في إيقاف تنفيذ قرار الوزارة الداخلية، كما تضمّن المطلب الطعن في دستورية قرار الإيواء المخالف للفصلين 29 و49 من الدستور اللذين ينصان على أنّ الإيقاف والاحتفاظ يكونان بقرار قضائي أو في حالة التلبّس،في هذا الإطار أصدرت المحكمة الإدارية أحكامها مؤخرا والقاضية بإيقاف التنفيذ إلى حين صدور الحكم في الدعوى الأصلية.

لسان الدفاع عن الطاعنين في القرار استند إلى انه مخالف للمادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب واللذين يؤخذ منهما أنّ الإيقاف الإداري دون رفع قضايا بالموقوفين يشكّل خرقا خطيرا لحريّاتهم، وقد ورد بالتعليق عدد 35 للجنة العليا المعنية بحقوق الإنسان أنّ الاعتقال غير القانوني في سياق إجراءات مكافحة الهجرة يجب أن يكون مبرّرا وليس فيه تجاوز في إطار الظروف المحيطة به ويكون لفترة وجيزة تتيح التثبت من طلباتهم والتحقّق من هويّاتهم ويكون استمرار احتجازهم في انتظار البت في طلباتهم فعلا تعسّفيا وفق نصّ الدعوى.

هناك إشكال كبير يطرح اليوم على المستوى القانوني بخصوص مركز الإيواء والتوجيه بالوردية وذلك من خلال غياب قواعد تضبط إجراءات التعامل معه وداخله فالمودعون بالمركز ليسوا سجناء لغياب أحكام قضائية ضدّهم وليسوا بالأحرار بالنظر إلى احتجازهم بالمركز،بما يجعل منه مكان احتجاز غير قانوني،هذا الاستنتاج توصلت إليه أيضا الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تقريرها عن المركز منذ افريل المنقضي، إذ أكد العقيد وليد الشارني مدير المركز أن دور هذا الأخير مقتصر على توفير الإيواء والإعاشة للنزلاء المهاجرين وليست له صلاحية مسك الملف القانوني لهم، مبينا أن جل الوافدين تقريبا هم من السجون بعد انقضاء مدة عقوبتهم، وأن تواجدهم في مركز التوجيه والإيواء بالوردية هو مجرد إيواء مؤقت لهم إلى حين تسوية وضعيتهم القانونية من طرف الإدارة العامة للحدود والأجانب إما بتجديد وثائق إقامتهم بتونس أو بترحيلهم إلى بلدانهم بالتنسيق مع الجهات المختصة، وبالتالي يفترض أن تكون حياتهم في المركز وطريقة عيشهم فيه أقرب إلى ما يمكن أن تكون عليه الحياة العادية التي يعيشها أي مواطن خارج هذا المكان ولكن الزيارة الميدانية التي قامت

بها الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب سجذلت عكس ذلك تماما اذ تمت معاينة وضعية الاحتجاز القسري بالمعنى الكامل لكلمة حيث يمنع التحرك بحرية داخل المركز ويمنع الخروج من فضاء الإقامة وتقفل الأبواب على النزلاء من الخارج ولا يتحكمون في تسيير شؤونهم اليومية، ويقضون كامل يومهم في حبس جماعي يفتقر إلى أسباب الراحة وتغيب فيه الإحاطة النفسية والاجتماعية ويفتقد إلى آلية النفاذ إلى المعلومة الأمر الذي يجعلهم في حيرة وتساؤل مستمر في أمرهم بداية من الاستفهام حول سبب وجودهم في المركز إلى الاستفهام حول وضعهم القانوني إلى مآل وجودهم فيه...

وقد استند القضاء الإداري في أحكامه بإيقاف تنفيذ قرار وزارة الداخلية جملة من النصوص القانونية الدولية التي تنصّ على مبدإ المساواة في التمتّع بالحقوق الأساسية اللصيقة بذات الإنسان آمر ملزم للدول بغضّ النظر عن الجنسية، أو مطابقة وضعية المعني بالأمر للقانون المنظّم لحالة الأجانب، وأنّ الحقّ في التمتّع بالحرية الشخصية لا ينتقص منه إلاّ في الصور

المقرّرة بالقانون وبمقتضى إجراء قضائي أو احترازي في الصور التي يهدّد فيها الأجنبي الأمن العامّ،وحيث أنّه ولئن ألزم المشرّع الدولة، في صورة مخالفة الأجانب للقانون عدد 7 لسنة 1968 المؤرّخ في 8 مارس 1968، باتخاذ قرارات بطردهم أو ترحيلهم على إثر قضاء عقوبة السجن، فإنّ مبدأ المساواة في التمتّع بالحقوق الأساسية ومبادئ دولة القانون يلزمان السّلط العمومية بعدم التعسّف في تطبيق هذه القرارات، وبممارستها في حدود ما لا يتعارض مع الصكوك الدّولية التي صادقت عليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115