هيئات دستورية مع تعطيل التركيز: وقفت «الإرادة السياسية» عند سنّ القوانين وضبط القوائم النهائية للمترشحين في انتظار التفعيل على ارض الواقع

يشهد مسار تركيز عدد هام من الهيئات الدستورية منذ سنوات تعثرا كبيرا أرجعه بعض الملاحظين وكذلك المختصون في الشأن السياسي وخبراء

قانونيين إلى التجاذبات السياسية وتسابق الأطراف السياسية نحو الحصول على أكثر تمثيلية،والنتيجة تعطل إرساء هذه الهيئات التي نص عليها دستور 27 جانفي 2014 فتعدّدت الحكومات وكانت كلها تضع هذا الملف ضمن أولوياتها وكذلك الأحزاب السياسية التي تدعو في تصريحاتها إلى ضرورة إرساء المحكمة الدستورية وغيرها من المؤسسات ولكن هذه الإرادة النظرية غاب تفعيلها على ارض الواقع وانحصرت في سنّ التشريعات المنظمة لتلك الهيئات والتي شهد بعضها شيء من التعطيل أو على أقصى تقدير ضبط القائمة النهائية للمترشحين.
اليوم وبعد أكثر من ست سنوات على سنّ دستور الجمهورية الثانية الذي نصّ على إرساء عدد من الهيئات المستقلة على غرار المحكمة الدستورية وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة حقوق الإنسان والقائمة تطول.

المحكمة الدستورية
ملف هذه الهيئة القضائية الدستورية أصبح معضلة حقيقية بعد فشل أعضاء مجلس نواب الشعب في حسم خلافاتهم حول الأعضاء الأربعة الذين سيكونون ضمن تركيبة المحكمة الدستورية وذلك بسبب البحث عن التوافقات،علما وان القانون الأساسي عدد 50 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 تمت المصادقة عليه منذ جويلية من نفس السنة وكان من المفترض أن يتم تركيز هذه الهيئة سنة بعد سنّ المشرع الخاص بها أي سنة 2016 وقد مرّت اليوم خمس سنوات ولا زال هذا الملف بين أروقة البرلمان يبحث عن الطريق الصحيح إما بإيجاد التوافقات وتحمل الكتل النيابية لمسؤولياتها ووضع مصلحة البلاد فوق كلّ الاعتبارات السياسية أو اختيار الحلّ التشريعي من خلال تنقيح القانون وهو ما ذهبت إليه الحكومة ممثلة في وزارة العدل التي أحالت مبادرة في الغرض منذ سنتين تقريبا ليتواصل في ظل هذا المشهد تعطيل إرساء هذه الهيئة القضائية التي أوكل لها القانون مهام وصلاحيات كبيرة تلعب دورا مهما في إنجاح مسار العدالة الانتقالية وبناء دولة القانون والمؤسسات. علما وان اللجنة الانتخابية قد نشرت تقريرها الذي حوصلت فيه آخر مستجدات أشغالها على هذا الملف الذي لا زال متعثرا.

هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد
تمت المصادقة على القانون الأساسي عدد 59 المنظم لهذه الهيئة منذ أكثر من ثلاث سنوات حيث عقد مجلس نواب الشعب جلسة عامة بتاريخ 19 جويلية 2017 صوّت خلالها 116 نائبا بنعم مقابل خمسة محتفظين و10 بالرفض،من جانب آخر فإن اللجنة الانتخابية صلب البرلمان استكملت أشغالها فيما يتعلق بضبط القائمة النهائية للمترشحين منذ 19 ماي 2019، اليوم أكثر من سنة مرّت ولا زال هذا الملف في رفوف مكتب مجلس نواب الشعب في انتظار إدراجه ضمن جدول الأعمال وتحديد تاريخ عقد جلسة عامة للتصويت،والى ذلك الحين أوكلت مهمة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلى الهيئة الوطنية الحالية برئاسة شوقي الطبيب ولكن لا بد من الانتقال من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم وبناء لبنة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي خاصة مع حملات مكافحة الفساد التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة،كما أن الفصل 130 من الدستور ينص على أن «هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد تسهم في سياسات الحوكمة الرشيدة ومنع الفساد ومكافحته ومتابعة تنفيذها ونشر ثقافتها، وتعزّز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة».

هيئة حقوق الإنسان
قدر هذا الهيكل الدستوري لا يختلف عن سابقيه فقد شهد بدوره تعطيلا والى حدّ اليوم لم يتم إرساؤه بالرغم من أن القانون المنظم له جاهز وتمت المصادقة عليه منذ 18 أكتوبر 2018 وذلك بــ144 صوتا دون احتفاظ ولا رفض ليولد القانون الأساسي عدد 51 المؤرخ في 29 أكتوبر 2018 ولئن عرفت هذه المرحلة شيئا من السرعة والسلاسة إلاّ أن طريق إرساء هذه الهيئة الدستورية شهد تعثرا في بقية المراحل إذ تم فتح باب الترشح للعضوية في فيفري 2019 واستكملت اللجنة الانتخابية مؤخرا أعمالها وأعلنت عن القائمة النهائية للمترشحين في انتظار تحديد موعد جلسة عامة للتصويت.
في انتظار إعطاء الأولوية لملف الهيئات الدستورية التي لم تركز بعد رغم أهميتها يبقى مسار الانتقال الديمقراطي منقوصا من حلقات أساسية وهي الانتقال من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115