الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية وأبرز العقبات: 43 قاضيا جديدا بين قارين ومعوضين، وجلسات غاب فيها مبدأ المواجهة

لا يزال طريق مسار العدالة الانتقالية طويلا،فلئن انتهت مهمة هيئة الحقيقة والكرامة وبقطع النظر عن مدى نجاحها في قيادة السفينة

الذي سيقيّمه المختصون لاحقا فإن الجزء الأهم من المسار هو محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وإعادة الاعتبار للضحايا وتخليد التاريخ والذاكرة الوطنية وذلك من خلال كشف كلّ الحقيقة،هذه المهمة كلّفت بها الدوائر المتخصّصة التي تم إحداثها للغرض وانطلقت في أعمالها منذ فيفري 2018،اليوم مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق القضاة العاملين بهذه الدوائر خاصة في خضمّ الإشكاليات التي تعترضهم سواء على مستوى الملفات أو أيضا على مستوى ظروف العمل،عن كلّ هذه النقاط تحدّثنا مع وليد المالكي عضو بمجلس القضاء العدلي ورئيس لجنة الإصلاحات الضرورية والتخطيط الاستراتيجي صلب المجلس الأعلى للقضاء.

تم طبقا للقانون الأساسي عدد 53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها تركيز 13 دائرة متخصّصة في العدالة الانتقالية موزعة على عدد من الولايات وقد كانت أولى الملفات المحالة من قبل هيئة الحقيقة والكرامة بدائرة قابس وهو ملف الضحية كمال المطماطي.

تتعهّد الدوائر القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية بعدد كبير من الملفات فيمكن الحديث عن آلاف القضايا المحالة والموزعة على 13 دائرة الموجودة حسب المرجع الترابي،أما من حيث الترتيب فتحتلّ الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بتونس المرتبة الأولى من حيث عدد الملفات المنشورة لديها،هذا وتتعلّق القضايا بأنواع مختلفة من الجرائم أو ما يسمى بالانتهاكات الجسيمة على غرار التعذيب،انتهاك حقّ الحياة والحرمة ،أحداث الخبز بالإضافة إلى قضايا فساد مالي وإداري وكذلك عقاري دون أن ننسى القضايا التي لها علاقة بالثورة وفق ما أفادنا به وليد المالكي عضو مجلس القضاء العدلي الذي قدّم لنا لمحة على هذه الدوائر من حيث الإطار القضائي فقال «يوجد 91 قاضيا بالدوائر القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية ،13 رئيس دائرة جنائية بالإضافة إلى 52 عضوا قارا بحساب أربعة أعضاء بكلّ دائرة، هذا وقد تم تعزيز الإطار القضائي نتيجة النقل والترقيات والشغورات الناجمة عنها وذلك بـ43 قاضيا جديدا موزعين بين قاريين (30) ومعوضين (13) إذ تمت مضاعفة هذا العدد الأخير ليصبح بذلك عدد القضاة المعوّضين 26 قاضيا أي بمعدل عضوين لكلّ دائرة «هذا وأوضح المالكي أن الإطار الجديد سيتلقى تكوينا في مجال العدالة الانتقالية وذلك نهاية الأسبوع القادم بالاشتراك مع وزارة العدل والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وقد اعتبر هذا التكوين «شرط صحّة في انعقاد الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية طبقا للفصل 8 من القانون المنظم لها».

«ملفات بلا قرارات إحالة»
تطرق وليد المالكي رئيس لجنة الإصلاحات الضرورية والتخطيط الاستراتيجي إلى ابرز المشاكل التي تقف حاجزا أمام حسن سير أعمال الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية فبالإضافة إلى غياب الامتيازات سواء كانت المادية أو العينية للأعضاء مقارنة بهيئة الحقيقة والكرامة هناك صعوبات عملية عديدة أبرزها الملفات المحالة من الهيئة المذكورة والتي لا تتضمّن قرارات إحالة أي لا يوجد فيها اسم المنسوب إليه الانتهاك بالرغم من وجود ضحية وهو ما يستدعي التحقيق فيها لأن ذلك لم تقم به الهيئة وهذا يطرح إشكالا قانونيا وواقعيا خاصة وان القانون واضح وصريح إذ يقول أن هيئة الحقيقة والكرامة هي من تقوم بمهمة البحث والتقصي التحقيق في ملفات الانتهاكات الجسيمة وتحيل إلى النيابة العمومية بالدوائر المتخصصة التي تحيل بدورها بصفة مباشرة (أي دون تحقيق) إلى الدوائر المعنية. السؤال هنا،كرة النار رمتها هيئة الحقيقة والكرامة في ملعب الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بتعلّة ضيق الوقت وحرصها على ضمان حق الضحايا ما هو المخرج القانوني أو الطريقة لمعالجة هذه الملفات حتى لا تتهم تلك الدوائر بحرمان الضحايا من حقوقهم في مسألة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟سؤال أجاب عنه المالكي فقال «هناك تفكير في إيجاد حلّ فربما يكون عن طريق إعداد دليل إجراءات لعمل تلك الدوائر بالتنسيق مع القضاة العاملين بها والمجلس الأعلى للقضاء»

«فضاء لا تتوفر فيه الحماية وجلسات بلا مرتكبي الانتهاكات»
وصف وليد المالكي المقرّ أو الفضاء الخاص بالدوائر القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية والتي تجري فيه جلسات المحاكمة لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بأنه «غير مهني ولا تتوفر فيه أدنى شروط الحماية سواء للشهود أو للمنسوب إليهم الانتهاك»، كما تحدّث أيضا عن ظاهرة تغيّب مرتكبي الانتهاكات عن الجلسات في اغلب القضايا المنشورة فقال «الحضور في جلسات المحاكمة يقتصر على الضحايا في غياب شبه تام للمنسوب إليهم الانتهاكات في حين أن الغاية من العدالة الانتقالية هي ضمان مبدأ المواجهة بين الضحية ومرتكب الانتهاك، هذه المسألة عطّلت عمل الدوائر وسيتم النظر فيها لإيجاد حلّ قانوني وربما يتم استعمال آليات العدالة التقليدية في هذه النقطة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115