وزارة الداخلية تقدم مبادرة لتنقيح الأمر المتعلق بسير لجنة شهداء الثورة: هيئة حقوق الإنسان لديها موقف مخالف،آلاف القضايا في تجاوز السلطة وإشكالات قانونية عديدة تطرح

يتجدّد مع كلّ ذكرى ثورة «الحرية والكرامة» طرح الملف المثير للجدل منذ أكثر من تسع سنوات وهو ملف شهداء الثورة ومصابيها

الذي لا يزال ملفوفا بالغموض خاصة خاصة من طرف الحكومة التي لم تأذن بنشر قائمتي شهداء الثورة ومصابيها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية رغم تسلمها إياهما منذ أكثر من سنة ،من جهتها رأت الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية ومن باب تنفيذ قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة أن تنشر القائمتين بموقعها الرسمي كما ينصّ عليه القانون،خطوة مكّنت من رفع الستار عن هذه الوثائق ولكن في المقابل أثارت جدلا كبيرا حيث دخلت وزارة الداخلية على الخطّ وطالبت بإدراج شهداء للمؤسسة الأمنية ضمن تلك القائمة و قدّمت مبادرة تشريعية لتنقيح الأمر الحكومي عدد1515 المؤرخ في 14 ماي 2013 وقد تبادلت المسألة بالنقاش مع الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية التي كان لها رؤية أخرى تحدثنا في تفاصيلها مع توفيق بودربالة.

تبقى التساؤلات مطروحة حول الصمت المريب الذي تتعامل به الحكومة مع هذا الملف والتي لم تكلّف نفسها حتى بشرح أسباب عدم إذنها بنشر قائمتي الشهداء والجرحى بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية خاصة أمام حالة الاحتقان الكبرى في صفوف عائلات الضحايا،في انتظار الحكومة القادمة علّها تغيّر شيئا.

آلاف القضايا
لم يثن عدم نشر قائمتي شهداء الثورة ومصابيها بالرائد الرسمي عائلات الضحايا عن التوجّه إلى المحكمة الإدارية أين أودعت آلاف القضايا في تجاوز السلطة مستندين في ذلك إلى الوثائق التي نشرتها الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية بموقعها الرسمي، لمزيد من التفاصيل حول الجانب القضائي تحدثنا مع عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية الذي قال «هناك عدد كبير من المعنيين قدموا قضايا بخصوص عدم إدراج أسمائهم في القائمة التي نشرتها الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية وهي قضايا في إطار دعاوى تجاوز السلطة أي إلغاء قرارات رفض تسجيلهم بتلك القائمة وجميع الملفات ما زالت في طورها الأول ،طور النشر والتحقيق».

جدل قانوني
أثارت مسألة اللجوء للاعتراض أمام القضاء الإداري قبل نشر قائمتي الشهداء والجرحى بالرائد الرسمي والاكتفاء بالنسخة التي نشرتها الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية جدلا قانونيا كبيرا وقد اختلفت القراءات للنصّ القانوني الذي لم يكن حاسما وواضحا في هذه النقطة هذا مشكل قانوني، وفي هذا السياق علّق عماد الغابري فقال “هذا مشكل قانوني طرح منذ البداية فهناك رأي يقول انه لا يجوز الطعن في القائمة إلا بعد نشرها بالرائد الرسمي من قبل رئاسة الحكومة و هناك من يقول حتى قبل النشر يمكن الطعن أمام القضاء الإداري ولكن الحسم في هذا الإشكال يعود للقاضي الإداري الذي سيبت فيه من خلال القضايا التي عرضت عليه.أما بخصوص دور المحكمة في مسألة إقرار الحق في التسجيل في القائمة من عدمه فهذا يدخل في صلاحيات القاضي الإداري عند نظره في الملفات و الطعون التي ستعرض عليه والمؤيدات التي ستقدم و من خلال الرقابة على أسانيد الهيئة العليا لحقوق الإنسان في رفض إدراج أسماء الأشخاص المعنيين”.

توفيق بودربالة رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية من جهته يرى أن الطعن قبل النشر مسألة ممكنة وشرعية إذ قال في هذا الخصوص «نحن نثمّن تفهّم العائلات للمسألة وقد توجهوا إلى المحكمة الإدارية وقدموا قضايا في إيقاف التنفيذ وكذلك في الأصل تتعلق بتجاوز السلطة والهيئة بصدد الإجابة عن تلك الملفات تباعا التي بلغت أكثر من ألفي قضية،فنشر الهيئة للقائمتين على موقعها الرسمي يتسم بالصبغة القانونية ونشرهما بالرائد الرسمي يعتبر اعترافا رسمي بالثورة وتكريس تعهدات الدولة بالقانون ليس إلاّ».

أمام هذا الجدل هناك من اعتبر أن القانون سكت على إلزام الجهات المعنية بالنشر بالرائد الرسمي أو إسناد هذه الصلاحية في ختم القائمة ونشرها مباشرة من الهيئة كما أن هناك إحساسا بتنصل بعض الجهات عن الحسم في ملفات حارقة ورمي كرة النار للقضاء الإداري سواء بدافع البحث عن تأكيد الشرعية في الأسباب التي استندت إليها في قراراتها تجاه المعنيين بالأمر أو في البحث عن فتوى قضائية لغلق ملف قائمة شهداء الثورة وجرحاها.غير أن القضاء الإداري يبقى الضامن الأخير لمبادئ المحاكمة العادلة من خلال الرقابة على حسن إدارة الهيئات العمومية لملفات في تقاطع مع حقوق الإنسان ومبادئ العدالة الانتقالية.

وزارة الداخلية على الخط
القائمة التي نشرتها الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية غاب عنها شهداء المؤسسة الأمنية والعسكرية ليس سهوا ولكن تم إدراجهم ضمن القوانين الخاصة بهم،ولكن هذا التمشي أثار حفيظة النقابات الأمنية ووزارة الإشراف التي تحرّكت حال اطلاعها على الوثيقة وعقدت جلسات مع الهيئة المعنية ووضعت المسألة على طاولة النقاش من اجل إدراج الشهداء من الأمنيين ضمن قائمة شهداء الثورة حيث قدّمت وزارة الداخلية مبادرة تشريعية لتنقيح الأمر الحكومي عدد 1515 المؤرخ في 14 ماي 2013 والمتعلق بطرق سير لجنة شهداء الثورة وجرحاها،الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية كان لها رأي مخالف في المسالة القانونية إذ تعتبر أن التنقيح لا يجب أن يكون في هذا الأمر الحكومي ولكن في القانون الخاص بالأمنيين، في هذا السياق تحدثنا مع توفيق بودربالة الذي قال «نعم كان لنا لقاء مع وزارة الداخلية تم خلاله تبادل وجهات النظر حول مسألة إدراج شهداء المؤسسة الأمنية ضمن قائمة شهداء الثورة وقد أكدت الهيئة من جانبها أن في هذه الوضعية لم تعد بإمكانها فعل شيء ويمكنهم التوجه للمحكمة الإدارية والطعن لديها أو المطالبة بتنقيح القانون عدد 50 المؤرخ في 19 ديسمبر 2013 يتعلق بضبط نظام خاص للتعويض عن الأضرار الناتجة لأعوان قوات الأمن الداخلي عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وليس الأمر الحكومي عدد 1515 كما اقترحت الوزارة».

إشكاليات بالجملة
مسألة تنقيح الأمر الحكومي عدد 1515 أو القانون عدد 50 لسنة 2013 كلاهما سيطرح إشكاليات عديدة على مستوى الآجال وكذلك من سيتولى تطبيق تلك التنقيحات،”ففي صورة انتظرت وزارة الداخلية وبالأخص المعنيين من شهداء المؤسسة الأمنية عملية التنقيح التي تتطلب حتما وقتا خاصة في ظل المشهد السياسي الحالي والاستعداد لتغيير الحكومة الحالية فإن آجال الطعن ستنتهي وسيسقط حقهم القانوني في الاعتراض،كما انه ومن جانب ثان في صورة قبول مطلبها في عملية التنقيح فسيتطلب الأمر أيضا نقاشا حول من سيتولى التطبيق هل هي الهيئة الجديدة أو الهيئة الحالية التي تعمل الآن على تقديم مؤيداتها بخصوص القضايا المنشورة” وفق تعبير بودربالة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115