إذ استجابت في 8 اكتوبر المنقضي إلى قرار صادر عن هيئة النفاذ إلى المعلومة بتمكين المدعي علي المكي منسق حملة «سيّب القائمة الرسمية» الذي كان قد تقدّم بذلك بعد أن طال انتظار عائلات الضحايا لتحرّك الحكومة ولكن دون جدوى،خطوة لئن تعتبر في مجملها إيجابية الا ان طريقة تعامل الهيئة مع تلك الوثيقة أثار حفيظتهم واعتبروها سوء تقدير للأمانة،من جانب قانوني، عملية نشر القائمتين بموقع الهيئة لا تسمن ولا تغني من جوع باعتبار ان باب الطعن لدى القضاء الإداري لا يمكن أن يفتح قانونا إلاّ بعد نشر تلك الوثائق بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.فمتى تتحرّك الحكومة؟.
اللجنة المكلّفة بملف شهداء الثورة وجرحاها صلب الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية أنهت مهمتها منذ أكثر من سنة حيث أحالت القائمتين مرفوقتين بتقرير مفصّل لأعمالها إلى الرئاسات الثلاث منذ أفريل 2018 لترمي الكرة بذلك في ملعب الحكومة باعتبارها الجهة المخوّلة قانونا للإذن بنشر الوثائق بالرائد الرسمي ولكن هذه الأخيرة خيّرت سياسة الصمت المريب.
وقد قامت الهيئة من جهتها وأمام تواصل حالة الاحتقان صلب العائلات والضغط من المجتمع المدني لحلحلة الملف بجملة من الإجراءات التي من شانها أن تساعد على ذلك حيث راسلت الحكومة في أكثر من مناسبة ودعتها إلى الإذن بنشر القائمتين بالرائد الرسمي كما راسلت أيضا المطبعة الرسمية في محاولة منها لإيجاد مخرج قانوني للمسألة ولكن دون جدوى لأن القانون واضح وصريح إذ أنه يعطي صلاحية النشر لرئاسة الحكومة والتي لم تحرّك ساكنا.
من الناحية القانونية لم تفتح خطوة الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية الباب للاعتراض لدى المحكمة الإدارية لمن يهمّه الأمر لأن تلك الطعون لن يكون لها أي سند قانوني ما لم تنشر قائمتا الشهداء والجرحى بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليتواصل بذلك الغموض حول هذا الملف أمام تواصل صمت الحكومة الأمر الذي خلّف حالة من الاستياء والاحتقان لدى العائلات.
من جانب آخر قام مجلس نواب الشعب مؤخرا بتكوين لجنة تعنى بملف شهداء الثورة ومصابيها وملف العدالة الانتقالية وهي ليست الأولى من نوعها مع اختلاف التسميات فقط،لجنة لن تعلّق عليها آمال كبيرة من قبل عائلات الضحايا الذين ضاقوا ذرعا من اللجان السابقة التي كان وجودها صوريا ولم تأت بنتيجة تذكر في هذا الملف لأن الأمور صلبها تدار في ظل غياب الإرادة السياسية مقابل سيطرة الحسابات الحزبية الضيّقة على هذا الملف وفي هذا السياق قال علي المكي في تصريح سابق لـ«المغرب» إن «السنوات تمر واللجان تتعدد وتتنوع لكن دون جدوى ودون تحقيق المأمول وهذا ليس بلغز ولكنه واقع مر له تفسير وحيد هو غياب الإرادة السياسية لمعالجة هذا الملف، فجل الذين تداولوا على هذا الملف كانوا يتعاملون معه باعتبارات سياسية ففي المجلس التأسيسي مثلا مزج هذا الملف مع ملف العفو التشريعي العام وتم الاهتمام بالثاني لأن وراءه ماكينة حزبية ووقع التغافل عن الأول ،أما في مجلس النواب ومع دخول البلاد في دوامة الإرهاب حشر ملف شهداء وجرحى الثورة مع ملف ضحايا الإرهاب وكأن الموضوع مدبر حتى يتم قبر ملف شهداء وجرحى الثورة ولو لا صمود الناشطين في هذا الملف لأصبح الملف في طور النسيان فمطلبنا الأساسي هو وجود إرادة سياسية فاعلة لحل إشكاليات ملف شهداء وجرحى الثورة الذي تفاقم مع التهميش طيلة السنوات المنقضية».