حسم الأمور ووضع حد لمسألة طالت أكثر من اللزوم بختمه لمشروع قانون المجلس المذكور في انتظار نشره بالرائد الرسمي. ورغم ذلك فإن الهياكل القضائية مستميتة في موقفها الرافض لهذه الوثيقة وستعبر رسميا عن موقف مشترك مع الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي قريبا ، موقف لن يغير شيئا وبالتالي لسائل أن يسأل ما جدوى هذه التحركات؟ ولماذا لم يلم شمل القضاة من قبل رغم المحاولات؟ ربما كانت الأمور قد تغيرت كما يرغبون.
قانون المجلس الأعلى للقضاء ينتظر نشره بالرائد الرسمي حتى يصبح نافذا ولكن مسيرته لا احد يعتقد أنها ستمحى من ذاكرة أهل القطاع فقد طالت النقاشات حوله وما شهده من عثرات فعلى قدر الأمل الذي علقه القضاة على أن تكون هذه الوثيقة كما رسموا لها خاب أملهم في النهاية فبسرعة البرق وبجرة قلم توقف كل شيء.
لمّ الشمل ؟
عبارة سمعناها كثيرا ورددها عديد القضاة في الفترة المنقضية والتي شهدت رحلة تجوال مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء بين لجنة التشريع العام والهيئة العليا لمراقبة دستورية القوانين قبل أن يحال إلى رئاسة الجمهورية التي أوقفت نزيف التجاذبات. فإذا عدنا بالذاكرة إلى زمن ليس ببعيد فقد كان للهياكل القضائية موقف مشترك رغم الخلافات أو الاختلافات في طريقة العمل بينهم ، لم شمل كان له وزنه وحقق نتائج جزئية ولكن سرعان ما عادت الأمور على ما كانت عليه اذ نجد من يدعو إلى الاحتجاج والنزول إلى الشارع
بالزي الرسمي وهناك من يدعو إلى التريث وتكوين تنسيقية عامة طلب بادرت به نقابة القضاة وساندها فيه اتحاد القضاة الإداريين ولكن جمعية القضاة خيرت عدم الانخراط دون أي تبرير في الوقت الذي كان من الأفضل أن يكون القضاة صوتا واحدا ويدا واحدة وموقفا واحدا قولا وفعلا وليس مجرد حبر على ورق حتى يكون للموقف صدى ايجابي وهذا ما لم يحدث. وقد قال الله تعالى: «لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فكيف لقطاع هياكله مشتتة أن تكون مواقفه موحدة، نقطة ضعف لم تخدم صالح القضاة الذين وجدوا أنفسهم مجبرين لا مخيرين أن يتعاملوا مع قانون مغضوب عليه والبقاء للأفضل.
فهل بقي لوحدة الصف معنى؟
من المنتظر أن تعلن اليوم جمعية القضاة التونسيين وكذلك جمعية القضاة الشبان عن مواقفهما تجاه قانون المجلس الأعلى للقضاء ، من جهتها خيرت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لعب دور المراقب حتى يولد الموقف المبدئي للهياكل القضائية حتى تتدخل هذه الأخيرة بصفتها سلطة الإشراف على كل ما يتعلق بالمسار المهني للقضاة حيث من المنتظر أن تسفر الأيام القليلة القادمة عن موقف مشترك بين الهياكل القضائية وهيئة القضاء العدلي ولكن ما جدوى الوحدة بعد أن حسمت الأمور وحتى لو اتفقوا على مقاطعة الانتخابات والمجلس فمن المتضرر؟ وكما يقول المثل «اللّوم بعد القضاء بدعة» أو بالأحرى «اللّمة بعد القضاء بدعة»
المسكوت عنه
هي نقطة في ظاهرها تبدو عادية وجزئية بسيطة ولكن بالتركيز في باطنها وفي علاقتها بتشتت القضاة الذي فتح نافذة لاختراقها من قبل السلطة السياسية كما شهد شاهد من أهل القطاع. فمواقف القضاة تجاه القانون لئن كانت موحدة في الإقرار بوجود اخلالات فيه إلا أنها تختلف في مسألة تمريره فجمعية القضاة مثلا عبرت صراحة عن رفضها لتلك الوثيقة وضرورة الإقرار بعدم دستوريتها ولكن البعض الآخر رأى أن الأمر طال أكثر من اللزوم وقرار الختم كان في محله لأن القوانين الجيدة في النهاية لا تصنع القضاة الجيدين بل القاضي يفرض استقلاليته بممارساته وبتعامله مع قضاياه كما أن القوانين متغيرة وليست ثابتة. مشهد مبطن ترجمته حالة التشتت التي تعيش على وقعها السلطة القضائية فكل يعزف على الوتر الذي يريحه والذي يراه مناسبا.