السبب الحقيقي لوفاة الرضع هو تعفن جرثومي وقع على مستوى تحضير «الاكياس» بالغرفة البيضاء ما بين 4 و8 مارس.
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الراي العام الكشف عن حقيقة وتفاصيل واقعة وفاة عدد كبير من الرضع في مارس المنقضي بمركز التوليد وطب الرضيع في تونس، وتحميل المسؤوليات لكل من سيثبت تورطه، سواء بالتقصير او الإهمال، في واقعة الحال، فقد عقدت لجنة التقصي في ظروف وملابسات واقعة الحال، مساء امس الخميس ندوة صحفية شددت خلالها على ان «الفاجعة» لم تكن جرّاء «خطأ».
«بين الخطأ وكثرة الاخلالات !»
أكدت اللجنة ان التقرير الذي تمّ تسليمه، أول أمس الأربعاء الى وزير الصحة، بما تضمنه من اختبارات وتحاليل تم اجراؤها في العديد من المخابر التونسية، أثبت أنّ الدواء الذي تم حقن الرضع به لم يكن منتهي مدّة الصلوحيّة كما انه لم يحتوي على أيّة مواد سامّة وكان مطابقا للمواصفات وشروط السلامة وفق ما اكده رئيس اللجنة الدكتور محمد الدوعاجي.
وشدد في السياق نفسه على ان « اللجنة قد تأكدت و بكل المؤيدات التي لا تقبل النقاش ان الأدوية والمستلزمات الطبية لم تكن منتهية الصلوحية وكانت مطابقة لشروط السلامة، ولم يتم العثور على أية مادة سامة وهو ما يؤكد غياب الخطأ الفادح».
واعتبر أن سبب وفاة الولدان هو تعفن جرثومي وقع أثناء تحضير المستحضر الغذائي «les poches» وذلك بالغرفة البيضاء، مؤكدا انّ هذا التعفن قد وقع ما بين 4 و6 مارس المنقضي «enterobacter cloacae».
في المقابل فقد أكد الدوعاجي تسجيل العديد من الاخلالات وخاصة منها المتعلقة بقاعة تحضير الأكياس، هناك غياب حوكمة في التسيير ناتج عن عدم تعويض المسؤولة الأولى السابقة منذ سنوات، وتسجيل نقص في عدد الصيادلة . كذلك هناك مشاكل متعددة تتعلق بالصيانة في القاعة المذكورة على حدّ تعبيره.
ما اوردته اللجنة لم يكن خفيا على الوزارة، حيث سبق وان حذرت محكمة المحاسبات في تقريرها عدد 31 من الوضع الشبه كارثي في مستشفى العزيزة عثمانة ونبهت من تدني منظومة حفظ الصحة ومن تداعياتها الخطيرة على الخدمات المسداة بالمستشفى المذكور. كما تطرق التقرير كذلك الى الاخلالات في سلسلة التعقيم مما ساهم في ارتفاع نسبة التعفّنات الإستشفائيّة وارتفاع عدد الوفايات نتيجة choc septique فضلا عن تخزين النفايات الاستشفائية في دورات المياه الخاصة بالمرضى و تعطل انظمة تنقية الهواء و تقاطع مسالك النفايات مع مسالك الاكل. الا ان وزير الصحة انذاك شكك في تقرير محكمة المحاسبات واشار الى وجود تلاعب بالتقرير.
وقد تقدم اتحاد قضاة محكمة المحاسبات بشكاية لدى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضد وزير الصحة انذاك من اجل الادعاء بالباطل
«أكثر من 110 ملفات»
من جهة اخرى فقد أكّد الدوعاجي أن فريق اللّجنة قام بالاطلاع والتدقيق في أكثر من 110 ملفات للمرضى الذين كانوا متواجدين خلال الفترة ما بين 4 و10 مارس وقد تمّ التخلي عن الملفات التي لم تكن تتضمن التعفن الجرثومي محل المتابعة وايلاء ملفات الرضع الذين يعانون من التعفن المذكور الأهمية اللازمة، قصد تحديد عدد الوفيات والمحافظة على حقوق عائلات المتوفين وإبطال بعض الادعاءات.
ووفق الدوعاجي فقد أثبتت الاختبارات والتحاليل التي تمّ إجراؤها في الغرض انّ العدد الرسمي والنهائي لعدد الوفيات هو 14 رضيع فقط توفوا نتيجة التعفن الجرثومي، مشيرا الى ان الواقعة وقعت في جناح الإنعاش فقط.
وشدّد الدوعاجي على أن «اللجنة تقنية علمية بحتة وليست لا إدارية ولا قضائية، مشيرا الى أنّ اللجنة ستتحفظ على بعض المعلومات التي تهم البحث القضائي ولا يمكن الإفصاح عنها حاليا».
وتجدر الاشارة في هذا الاطار الى ان القضاء التونسي متعهد حاليا بقضيتين بملفين في الغرض. الاول من اجل شبهة فساد مالي قد تكون طالت الأدوية التي تمّ بواسطتها حقن الرضع وأدت الى وفاتهم وهو منشور حاليا لدى القطب القضائي الاقتصادي والمالي، فيما تعهدت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بملف اخر شمل 15 قضية تعلقت كلها بالفصل 215 من المجلة الجزائية والذي ينصّ صراحة على أنّ «الإنسان الذي بدون قصد القتل يتعمد إعطاء غيره موادا ويتعمد مباشرات أو عمليات توثر له مرضا أو عجزا عن الخدمة يستوجب العقوبات المقرّرة للضرب والجرح حسب الفروق المقرّرة بالفصلين 218 – 219 من هذا القانون. ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا نتج عن ذلك الـموت».
منع أعوان المركز من اجراء التحاليل
أكد محمد الدوعاجي تعرض عدد من اعوان المركز الى ضغوطات وتخويف حتى لا يقوموا باجراء التحاليل اللازمة التي سيتم من خلالها تحديد مصدر التعفن الجرثومي الذي ادى الى وفاة عدد من الرضع. وشدد الدوعاجي على ان الأطراف المذكورة من خارج المستشفى.