ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك» بعض ما أوصى به عمر بن الخطّاب القاضي أبي موسى الأشعري ومن خلاله عموم القضاة،لتقوم فلسفة التقاضي عند المباشرتيّة على مشاكسة للنفس ومراوغة لغورها فيتحاور القاضي سيكولوجيّا مع المتقاضي والمقاضى و تنضاف له آليّة استنباطيّة أخرى بنزعة ميكافيليّة بغاية إعلاء الحقّ.
وللقاضي المهاب أن يعزف على أوتار الأنفس وإيقاع الحقّ والسلّم الهرمي للنصوص القانونيّة ديدنه قَسَم هو ضميره: هيّاب لمن يهاب سلطته فهو الضامن لإقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحرّيات ولا سلطان عليه لغير القانون وفقا للفصل 102 من الدستور.
بيد أنّ الهيبة وإن توجب على القاضي الترفّع عن شوائب الأمورفي بعد قيميّ يتحلّى فيه بسلوك سويّ وبواجب تحفّظ نوعيّ مشدّد،فإنّها تخضع لمؤثرات عرضيّة وظواهر مرضيّة ليتأثّر بتأثّرها جوهر العملية القضائيّة فيصبح التكييف المعياري للمحاكمة إن كانت عادلة ثانويا، إذ لانزال منغمسين في أبجديّات السلطة وتمظهراتها.
والجليّ أنّ المؤثرات أضحت قارّة والظواهر وبائيّة لتضيع هيبة القضاء بين ثلاثيّة التطاول والمطرقة والبنزين لتمثّل رمزيّا مثلّث برمودا الأسطوري بما يعنيه من اندثار وتلاش:فمن المسؤول؟ هم (المتقاضون والمقاضون)؟ نحن (قضاة ومحامون وكتبة...)؟ هو(واقعنا)؟ هي(أخلاقنا)؟ أم هي الشاملة (الدولة)؟ أم نعيب الزمان والعيب فينا؟
1/- حتّى لا ننسى:
«التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق» والقول لابن خلدون
أ/- نقاط سوداء وتواريخ:
السواد قديم جديد عوض أن يَرمدَيزداد عتمة وأكتفي بقليله فللتفاؤل فسحة:سنة 2012 أعتدي على قاض بالمحكمة الابتدائية بقفصةواقتحمت المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد، وخلال سنة 2013أعتدي على قضاة المحكمة الابتدائية بجندوبة والعاملين فيها، وسنة 2015 أعتدي على قاض بالمحكمة الابتدائية بسوسة، وسنة 2016 أعتدي على كاتبة بالمحكمة الابتدائيّة بالقيروان، ومنع قاض بالمحكمة العقارية بسيدي بوزيد من أداء مهامه سنة2017، وسنة 2018 حوصرت المحكمة الابتدائية ببن عروس وتعرّضت محكمة المحاسبات إثر نشر تقريرها لحملة تصريحات ضدّها، وفي الثلاثيّة الأولى للسنة الحاليّة اعتدي على قاض بالمحكمة العسكريّة الدائمة بتونس بمطرقةواقتحم مقرّ الدائرة الجهوية للمحكمة الادارية بالكاف بقوارير بنزين وتهديد بالحرق.
ب/- لقاءات وتصريحات وبيانات للتأريخ:
تنديد وبحث عن حلول لحفظ ماء الوجه: رسميّا يدعو الرئيس المؤقّت للمجلس الأعلى للقضاءلمراجعة المنظومة الأمنيّة للمحاكم، وأعلنت المحكمة الإداريّة أنّه بالتّنسيق مع وزارة الداخليّة تقرّر وضع منظومة حراسة أمنيّة لمختلف مقرّات المحكمة وحماية خاصّة لبعض القضاة، أمّا وزارة العدل فتصدر بيانات تتّفق على أنّ الاعتداء على القضاةمسّ من هيبة القضاءورمزية الدولة، ومن جهته أعلن مجلس القضاء الإداري أنّه يجتمع استثنائيايوم 5مارس 2019 للتداول في أحداث يوم 27 فيفري 2019 والمتمثلة في قيام متقاضين بالتهديد بحرق مقرّ الدائرة الابتدائية الجهوية للمحكمة بالكاف إن لم يستجب فورا لمطلب توقيف تنفيذ قرار بلدي.
ومن فعل الهياكل –وأكتفي ببعضه والذي لا يختزل كلّ الجهود المبذولة-، أعلنت جمعية القضاة التونسيين في ديسمبر 2018وفيفري 2019أنّ وفدا عنها التقى بوزير العدل وتطرّق للتهديدات الإرهابية لبعض القضاة وتدابير حمايتهم وعائلاتهم وضمان أمن المحاكم، ثمّ برئيس الحكومة والتأكيد على تأمين مقرّات الأقضية الثلاثة ومقترح إحداث جهاز شرطة قضائية، ودعت مؤخّرا رئاسة الحكومة والمجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري والرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية لتأمين مقرّات الدوائرالجهوية للمحكمة الإدارية.
وقد استقبل رئيس الجمهورية في جانفي 2019 وفدا عن نقابة القضاة التونسيين وتحاورحول حماية القضاة من التهديدات، وفي27 فيفري 2019 أصدرت النقابة بيانين حول وجوب حماية القضاة والحفاظ على هيبتهم.
ودعااتحاد القضاة الاداريين في 27 فيفري 2019 رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الحكومة ووزير العدل ووزير الداخلية إلى التعاطي بجديّة مع مسألة تأمين المحاكم وتوفير حماية للقضاة مؤكّدا على أنّ الاعتداءات على القضاء محاولات يائسة للتأثير على القضاة والضغط عليهم وتدخّل في عملهم وهي أعمال حجّرها الفصل 109 من الدستور.
وأعلن اتّحاد قضاة محكمة المحاسبات في جانفي 2019 أنّه سيقدّم شكاية ضدّ وزير الصحة لحديثه باطلا عن تلاعب القضاة الماليين بالتقرير السنوي عدد 31 للمحكمة.
2/- حتّى لا نندم:
«قلة الدين وقلة الأدب وقلة الندم عند الخطأ وقلة قبول العتاب أمراض لا دواء لها» والقول لسقراط.
أ/- اضطلاع المؤتمن بالأمانة: الموجود
ضبط الأمر عدد 342 المؤرّخ في 30 ماي 1975 والمنقّح بالأمر عدد 1454 المؤرّخ في 15 جوان 2001 مشمولات وزارة الداخلية لتكون مسؤولة عن المحافظة على النظام العام وهي مكلّفة بأمن الأشخاص والممتلكات.
واقتضى الأمران عدد 1160 و1162 المؤرّخان في13أفريل 2006 كما تمّ تنقيحهما لاحقا، أنّ أعوان سلك الأمن الوطني والشرطة الوطنية والحرس الوطني على حدّ سواء قوّة مدنية مسلّحة وقائية وزجرية، مسؤولة بالدرجة الأولى على المحافظة على النظام العمومي وأمن الدولة...
ب/- سلك الشرطة القضائيّة: المنشود
وقد برهن الواقع على قصور فعل الموجود، تكون فكرة إنشاء شرطة قضائيّة ضرورة وليست ترفا، وفكرة التخصّص نتاجها حتما تحديد الفاعل وفعله بما يمكّن من ضبط المسؤوليات وتقييم مدى النجاعة والفاعليّة في اتجاه التحسين والتحيين.
وأكتفي بالقول بأنّ للمرور شرطته، للبيئة شرطتها، للمهرجانات والمقابلات الرياضيّة...للأخلاق الحميدة شرطتها، للسفارات شرطتها، للغابات حرّاسها، للآثار والمعابد...للمساحات التجاريّة والملاهي الليليّة شرطتها، للشرطة شرطتها، للتراتيب البلدية شرطتها وتمّ التفكير أن تكون للمياه شرطتها، وللحديث شرطته وله بقيّة...