القضاء بعد سنوات الثورة الثماني ... أي بذر ؟ وما الحصاد ؟

روضة القرافي
الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين
ثماني سنوات بعد الثورة لانزال بعيدين عن استكمال التأسيس لقضاء مستقل و تحقيق مقتضيات

الإصلاح القضائي طبق الدستور الجديد فمن مقتضات ذلك الإصلاح كلها لم يركز سوى المجلس الاعلى للقضاء الذي لا يزال يواجه إشكالات وصعوبات كبيرة في اعداد مقره وتركيز جهازه الإداري.
اما بقية الاستحقاقات التي يتوقف عليها تكريس الاستقلالية الحقيقية للقضاء لتضطلع السلطة القضائية بالدور الموكول لها في حماية الحقوق والحريات طبق الدستور الجديد وحتى لا يتكرر غياب دور القضاء في الاضطلاع بتلك المهمة كما حصل في الماضي لم ينجز منها شيء بعد ونذكر من ذلك اساسا.

- عدم سن النظام الاساسي الجديد للقضاة طبق الدستور و الذي يكرس ضمانات استقلاليتهم في مساراتهم المهنية ويحقق خاصة استقلال النيابة العمومية على السلطة التنفيذية وكذلك الاستقلالية الادارية والمالية للمحاكم بأصنافها العدلي والاداري والمالي وهو ما سيحرر ادارة العدالة من التبعية للسلطة التنفيذية كأحد اهم المداخل التي مكنت السلطة التنفيذية زمن الاستبداد من التدخل في سير القضاء واضعاف استقلاليته من جهة و ما سيمكن من جهة أخرى من الارتقاء بجودة العدالة وخدمات المرفق العدلي التي تعيش تدهورا مزمنا يشكل سبب معاناة يومية للمتقاضين وكل المتعاملين مع مرفق العدالة . يجب ان نعلم في هذا السياق ان الأوضاع الإدارية والمالية للمحاكم هي اقل بكثير من اوضاع السجون او المستشفيات او المعاهد الثانوية ميزانيات باعتبار تلك المؤسسات تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية التي لم تحظ بها محاكمنا ابدا في نظامنا القضائي البالي .

. - عدم مراجعة طرق انتداب القضاة وكل العاملين بالمحاكم وبالمؤسسات القضائية تحت اشراف المجلس الاعلى للقضاء بناء على اعلى مستويات الكفاءة العلمية والكفاءة الاخلاقية

- عدم سن مدونة اخلاقيات القاضي ومدونات اخلاقيات كل المهن العدلية من المجلس الاعلى للقضاء وتحت اشرافه بناء على مبادئ الكفاءة والنزاهة والاستقلالية والحياد واعتماد تلك المبادئ كمعايير اساسية للتناظر في الترقي المهني .
عدم المراجعة الجذرية لبرامج تكوين القضاة تكوينا مستمرا وعميقا تحت اشراف المجلس الاعلى للقضاء لضمان نجاعة أكبر في قيام القضاة بالدور الجديد الموكول اليهم طبق الدستور في حماية الحقوق والحريات العامة والخاصة وتكريس سيادة القانون وخاصة في التصدي للجرائم التي تهدد النظام الديمقراطي كجرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وجرائم الفساد المتشعبة و جرائم الاعتداء على المال العام ضمانا لعدم تكرارها ولتقوية دور القضاء في حماية التداول السلمي على السلطة بواسطة الرقابة القضائية الفعالة على نزاهة الانتخابات من خلال النزاعات الانتخابية لدى القضاء الاداري والرقابة الدقيقة على تمويل الحملات الانتخابية بأموال مشبوهة من قبل القضاء المالي.
عدم ضمان مستوى تأجير محترم ومستقل للقضاة يقيهم من مغبة الخضوع للضغوطات والاغراءات الماسة باستقلالهم ونزاهتهم سواء من السلطة التنفيذية او من مراكز النفوذ ولوبيات المصالح والأموال التي تزايدت وكثرت بعد الثورة.

- عدم اصلاح الأوضاع الحالية للتفقدية العامة بوزارة العدل التي ظلت جهازا قاصراعن أداء دورها الرقابي .
عدم تركيز المحكمة الدستورية الضامنة لمطابقة كل الإصلاحات المدخلة على المنظومة القضائية للمقتضيات الدستورية في تركيز مستقلة وحتى لا تبقي على عكس ذلك منظومة تابعة وهشة سهلة الاختراق والتطويع .

ومع تأخر هذه الإصلاحات برز دورخطير وسلبي جدا لبعض الأحزاب السياسية و بعض السياسيين والمسؤولين على بعض المؤسسات او المنظمات في تنظيم حملات استهداف ممنهجة ضد القضاة والقضاء او الانخراط فيها كلما صدرت احكام في قضايا فساد وانتهاك للمال العام على مسؤولي النظام السابق او غيرهم من المرتبطين بدوائر النفوذ والفساد المالي والسياسي أو عند تعهدهم بقضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في نطاق الدوائر القضائية المتخصصة او عند قيام القضاء بدوره في الكشف على سوء التصرف في المال العام للحد من نزيف هدره كما حصل بمناسبة نشر التقرير 31 لدائرة المحاسبات وهي حملات لا يمكن ان تقوي ابدا موقع القضاء و تكرس الدور الفاعل الذي يطلبه تونسيون منه في تركيز دولة القانون والنظام الديمقراطي. فالديمقراطية تحمى أساسا وأولا من جرائم الفساد وانتهاك المال العام وانتهاكات حقوق الانسان وجرائم الإرهاب التي هي على ارتباط بجرائم الفساد .

إن الانكباب على انجاز هذه الاستحقاقات ومعالجة الانحرافات في التعاطي مع أداء القضائي من بعض السياسيين كل فيما يعود اليه هو الكفيل بتركيز سلطة قضائية مستقلة ضامنة لسلامة الانتقال الديمقراطي وتكريس دولة القانون بعيدا عن التقييمات الجزئية والانطباعية والحملات الممنهجة والاعمال غير السليمة التشريعية والتنفيذية التي تبخس جهود القضاء وتهدرها كلما تحققت هذه الجهود وتجسمت في إجراءات واحكام ومهمات منجزة كان لا بد من تثمينها عوض إتلاف ثمراتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115