ثورة تكوّنت خلالها شحنة كبيرة من الأمل لدى التونسيين الذين خرجوا إلى الشارع بكلّ أصنافهم رافعين شعارات تهدف إلى الإصلاح الجذري والى بناء تونس جديدة ودولة القانون والمؤسسات،أحلام شاركهم فيها قطاعات مختلفة منها المحاماة والقضاء الذي بقي طيلة عقود من الزمن رهين التعليمات، اليوم وبعد مرور ثماني سنوات على هذه الآمال أردنا أن نقف وقفة تأمل لتقييم مسار الانتقال في المنظومة القضائية من خلال رصد مواقف عدد من المتداخلين في الموضوع.
القضاء هو السلطة الوحيدة التي لم تنتقل بصفة كلّية من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم، إذ لا يزال في خطواته الأولى من حيث تركيز المؤسسات القضائية التي تعتبر عماد هذا الانتقال، كما أن القضاء مسؤوليته جسيمة في إنجاح مسار العدالة الانتقالية.
«مدّ وجزر»
اعتبرت ابتهال عبد اللطيف أن “المسار الديمقراطي مازال يتطلب أكثر جدية خاصة في ما يتعلق بملفات الفساد وذلك حسب كيفية التعامل مع تقارير دائرة المحاسبات وتقرير هيئة الحقيقة والكرامة وغيرها...المسار يتقدم رغم كل التحديات فهناك مد وجزر لكن رغم ذلك هناك تقدم فبالنسبة لحرية التعبير والنقد نحرز تقدما متميزا لكن في ما يخص ملفات الفساد المالي وعدم تكرارها فهذا يتطلب جهدا كبيرا وجديا” وأضافت عبد اللطيف “من أجمل مكاسبنا هي الانتخابات والآليات الديمقراطية وكذلك الهيئات التعديليّة رغم ما تحمله من هنات “.
«لم يتعاف بعد»
من جهتها رأت سيدة مبارك عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أن المسار يمكن أن يكون مطمئنا ولكن بشروط. وقالت”عندما نرى صدور قرارات جريئة تنصف المظلومين وتكرس مبدأ عدم الإفلات من العقاب في كل المجالات ودون تمييز عندها نطمئن على مسار الانتقال في المنظومة القضائية ، أعمال هيئة الحقيقة والكرامة ماهي إلا نقطة بداية المسار الانتقالي، ومهما كانت الأخطاء يبقى العمل المنجز في رأيي عملا يستحق الاحترام والتقدير لأنه كشف عن الكثير من المسائل المسكوت عنها، غير أنه لن يكون لتلك الأعمال طعم وصدى إلا إذا اكتملت بقية سلسلة المسار الانتقالي وأهمها الاعتراف للضحايا وتحقيق العدل وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب بدون تلك الخطوات يضيع مجهود الهيئة وتبقى وصمة عار في تاريخ تونس ما بعد الثورة، الهيئة انتهت ولكن المسار مازال متواصلا الآن الكرة في ملعب القضاء الذي لا بدّ أن يعمل بجدية ليصدر قرارات إدانة في حق المجرمين وبعدها تأتي مرحلة تنفيذ القرارات والدولة بمكوناتها يجب أن تعطي المثل في ذلك فما ينقص هو الجدية والإرادة فالمسار مازال طويلا في منظومة القضاء يجب على الدائرة المختصة القيام بعملها وعلى الدولة مساعدة القضاء على أداء عمله دون تدخل فطالما هناك إفلات من العقاب فإن المنظومة لم تتعاف بعد”.
«الجسم القضائي يتعافى»
عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية اعتبر من وجهة نظره أن “القضاء يبقى محورا رئيسيا في إنجاح الانتقال الديمقراطي إلاّ أن ذلك يبقى رهين إبعاده عن كل أشكال التوظيف والتأثير والاستعمال السياسي،فبعد فشل الخيار السياسي للعدالة الانتقالية يبقى القضاء هو المؤتمن الوحيد على ضمان نجاح تونس في الانتقال الديمقراطي.فرغم محدودية النصوص التشريعية الصادرة بعد 2014 في ضمان منزلة القضاء طبق المعايير الدولية للاستقلال فان الجسم القضائي يتعافى و في تطور نحو تأكيد الاستقلالية والحياد بالرغم من انه لا يزال في مراحله التأسيسية الأولى و يتطور ببطء».