القضائية المتخصصة وانطلاقها فعليا في أعمالها التي على رأسها النظر في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المحالة عليها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة اعتبرت نقطة مضيئة في هذا المسار ومحطّة مهمّة في تواصله،حيث شرع عدد لا بأس به من الدوائر المتخصصة في فتح الملفات التي دفن أصحابها وجعا في قلوبهم لسنوات مجبرين لا مخيّرين قبل أن يكسروا جدار الصمت بعد الثورة من اجل ردّ الاعتبار ومحاسبة الجناة، ولكن ما تمت ملاحظته من قبل المتابعين لهذا الشأن هو غياب المتهمين عن جلّ الجلسات الأولى للمحاكمة في هذه القضايا الأمر الذي يفتح الباب على جملة من التساؤلات حول مدى تواصل هذا التوجه وتأثيره على مسار العدالة الانتقالية.
وتجدر الإشارة إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة تواصل عملية إحالة الملفات التي تتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (تعذيب،قتل،اغتصاب،اختفاء قسري...) على الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية الموزعة على 12 ولاية.
«احتقار للمحكمة»
كما هو معلوم فإن أولى جلسات المحاكمة كانت قد انطلقت منذ أكثر من ثلاثة أشهر بالدائرة المتخصصة بابتدائية قابس وذلك بتاريخ 28 ماي الماضي عندما فتح ملف قضية بالاختفاء القسري للضحية كمال المطماطي ،قضية وجّهت فيها أصابع الاتهام إلى أكثر من 14 متهما بينهم مسؤولون سابقون وإطارات أمنية،هذه المحاكمة تلتها جلسات أخرى بعدد من محاكم الجمهورية على غرار جلسة محاكمة المتهمين في قضية الضحية نبيل بركاتي بابتدائية الكاف ومؤخرا جلسة محاكمة تتعلق بملف ما عرف بقضية الحوض المنجمي بقفصة التي دارت أطواره منذ 2008.لئن تعدّدت الجلسات إلاّ أن العامل المشترك بينها تقريبا هو تخلّف المتهمين عنها باستثناء جلسة الكاف،وضع أثار اهتمام الملاحظين والمتابعين لهذا الشأن الذين عبّروا عن تخوفهم من تواصل هذا الوضع الذي يكرّس سياسة الإفلات من العقاب وتعطيل مسار العدالة الانتقالية بصفة عامة،في هذا السياق عبّرت روضة القرافي الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين عن انتقادها لتغيّب المتهمين عن جلسات المحاكمة في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقد أشارت خلال تصريح لموزييك»إلى وجود تقصير في تبليغ استدعاءات المحكمة، كما رأت القرافي أنّ غياب المتهمين يعدّ احتقارا للمحكمة ويكرس عقلية الإفلات من العقاب وفق تعبيرها.
الى متى؟
المتهمون الذين حضروا في جلسة المحاكمة المتعلقة بملف الضحية نبيل بركاتي والتي عقدت بالمحكمة الابتدائية بالكاف تم الإبقاء عليهم بحالة سراح،ولكن ماهي الوضعية القانونية للذين تغيّبوا عن باقي الجلسات وماهي الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها في مثل هذه الحالات خاصة إذا تكرّرت؟،في هذا السياق أفادنا مصدر قانوني بأن الدائرة المتخصصة التي نظرت في ملف الحوض المنجمي على سبيل المثال قد أصدرت بطاقة جلب في حقّ الرئيس السابق باعتباره بحالة فرار،في المقابل اتخذ إجراء بتحجير السفر عن كلّ المتهمين في قضية الحال وإعادة توجيه الاستدعاء لهم جميعا،ولكن اذا تواصل تغيّبهم عن الجلسات فإنه يمكن للقضاء أن يصدر في حقّهم بطاقات جلب ،كما أن الدائرة تواصل عملها وتحاكمهم غيابيا. من جهة أخرى اعتبرت ليلى الحداد أن غياب المتهمين في الجلسات الأولى للمحاكمة أمر عادي إذ يتذرعون بعدم بلوغ الاستدعاء نافية أن يكون هناك تقصير من الجهات المعنية.فهل يتواصل الغياب في الجلسات القادمة وبالتالي يعتبر مقصودا ويتبع المتهمون سياسة الهروب من العدالة وتكريس الإفلات من العقاب؟.