منذ عقود،بعد اندلاع ثورة 14 جانفي تحقّق هذا الحلم حيث نصّ الدستور التونسي على أن «القضاء هو سلطة مستقلّة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات»،من جهة أخرى بنى القضاة قلعة أحلامهم منذ أكثر من سبع سنوات أساسها الاستقلالية،النزاهة،محاكم ذات بنية تحتية ملائمة للمعايير الدولية،حركة قضائية تعلن في وقتها، الابتعاد بمرفق العدالة وبالسلطة القضائية عن كلّ التجاذبات السياسية، اليوم وقد حلّت سنة قضائية جديدة السابعة تقريبا بعد الثورة ماذا تغيّر في مرفق العدالة؟
السلطة القضائية لا تزال تبحث عن الاستقرار واستكمال مسار الانتقال من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم نظرا لتداخل عديد الأسباب،وضع جعل الهياكل تتحرك وتطالب بضرورة مواصلة هذا المسار.
لا شيء تغيّر
التغيير والإصلاح يكون أولا وقبل كلّ شي بتغيير وتنقيح التشريعات حتى تصبح ملائمة لمتطلبات المرحلة والانتقال الديمقراطي الذي يعتبر القضاء جزءا منه،في هذا السياق وبتسليط الضوء على المشهد القضائي من هذه الناحية هناك خطوات نحو الإصلاح ولكن لا تزال بطيئة جدّا في ظلّ تتالي السنوات فقد شهدت المجلة الجزائية مثلا سلسلة من التنقيحات في كتاب أوّل ولكن المهمة لم تنته بعد لأنه يوجد عديد الفصول الأخرى التي لا بد من تعديلها،لتكون دعما لاستقلالية السلطة القضائية، الهيئات القضائية التي نصّ عليها الدستور على غرار المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية فالأوّل قد شهد ولادة عسيرة لا يزال يدفع ثمنها إلى اليوم حيث بقي أعرج لأنه لا يزال منقوص التركيبة ،كما أن الثغرات الموجودة في القانون فتحت باب التأويل وتعدّد القراءات الأمر الذي أدى إلى تعديله في مناسبة أولى بمبادرة تشريعية من وزارة العدل ولا يستبعد أن ينقّح مرّة أخرى.المحكمة الدستورية بدورها بقيت مجرّد حبرا على ورق فقد تمت المصادقة على قانونها منذ 2015 والى اليوم لم يتم تركيزها على ارض الواقع لأنه ببساطة لا تزال الكتل النيابية تتناحر وتبحث عن التوافق لاقتسام الكعكة، تدخّل هذه الكتل في العملية الانتخابية لهيئة قضائية تحمل صفة «المستقلة» في الدستور يجعل من السؤال هل ستكون مستقلة فعلا؟ خلاصة الحكاية إذا وملخّص المشهد القضائي على مستوى التشريعات وفق رؤية عديد المتابعين للمشهد، جهود غير كافية،خطوات بطيئة،سرعة في الانجاز أو ربما انشغال بالتجاذبات والنتيجة قوانين عرجاء.
«طريق مظلم»
من بين أحلام القضاة أيضا محاكم ذات مواصفات عالمية وتتلاءم مع مقتضيات مرحلة جديدة يجد فيها القضاء هامشا من الحرية التي خوّلت للهياكل القضائية أن تتحرك وتعبّر عن مطالبها،اليوم ماذا نجد على ارض الواقع من هذا الحلم؟في الحقيقة لا شيء فحتى المحاكم التي أضيفت إلى سجلّ القطاع صحيح أنها ستساهم في تسهيل مهام القضاة والمحامين وخاصة المتقاضين وتخفّف من الضغط ولكن ماذا فعلت الجهات الرسمية المسؤولة في ملف المحاكم التي تعاني من بنية تحتية أقل ما يقال عنها أنها مهترئة،بل أكثر من ذلك وكما يقول المثل «وشهد شاهد من أهلها» فقد صدمنا بصور ومشاهد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تبيّن وضعية بعض المحاكم حيث اكتظت كلّ أركانها بالأرشيف المبعثر هنا وهناك ،دون أن ننسى المياه التي تغمر المكاتب في فصل الشتاء والتي تلف العديد من الوثائق ،إلى متى هذا الوضع؟ فمن سنة إلى أخرى لم يتغيّر شيء ودار لقمان لا تزال على حالها،فعن أي إصلاح نتحدث؟ و أي استقلال للسلطة القضائية نريد؟ ،أسئلة يطرحها أهل القطاع أنفسهم خاصة عندما نجد ملف الحركة القضائية يثير جدلا في كلّ سنة بعدم الإعلان عنها في موعدها واعتبار
وضعية القضاة وما تتطلبه النقلة من استعدادات على المستوى العائلي،القاضي يجد نفسه مجبرا على أن يعمل في المكان الذي انتقل إليه إلى حين النظر في الطعن،لا استقرار عائلي... علما وأنه إلى اليوم لم تنشر الحركة بالرائد الرسمي ولم يغلق باب الطعون حتى ينطلق مجلس القضاء العدلي في فتح الملفات.هناك ملف آخر لا يمكن التغاضي عنه لأنه يعتبر حلقة مهمّة في حسن سير مرفق العدالة وهو ملف الخلافات المتواصلة والمتجددة ين القضاة والمحامين التي وان اختلفت أسبابها فإنها تؤثر سلبا على سير المرفق وتضرّ بمصالح المتقاضين،ملف بدوره قديم يتجدّد مع كلّ سنة قضائية ويبقى دون حلول جذرية.السلطة القضائية لا تزال في طريق مظلم تبحث عن شعلة ضوء تنير بها طريقها نحو الوضع الدائم،استنتاج لم يكن اعتباطيا بل هو رأي العديد من الملاحظين للمشهد القضائي عامة فهل تأتي هذه السنة بالجديد؟