خطابه الذي ألقاه بمناسبة عيد المرأة يوم 13 أوت الجاري عن تقديم مقترح مشروع قانون يتعلق بالمساواة في الميراث بين الجنسين إلى مجلس نواب الشعب حال عودته من العطلة البرلمانية،قرار زاد من حدّة الجدل الحاصل حيث تحوّل النقاش الذي قام أساسا على المستوى القانوني والحقوقي إلى نقاش ديني باعتبار أن هناك من اعتبر مضمون المبادرة مخالفا للشرع الديني ،علما وأن رئيس الجمهورية أعلن أن الوثيقة تتضمن إمكانية الاختيار بين النظامين أي المورث يمكنه اختيار ما يقوله الدين أو ما يقوله المشرّع،في هذا السياق رصدنا موقف السيد محمد صالح بن عيسى أستاذ القانون العام والعميد السابق لكلية العلوم القانونية والسياسية بتونس.
وللتذكير فإن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة انجرتّ عنه حملة تشويه طالت رئيسة اللجنة بشرى بالحاج حميدة التي تمّ تكفيرها ولحقتها أيضا تهديدات عديدة،من جهة أخرى وفي انتظار تقديم المبادرة إلى مجلس نواب الشعب فإنه من المؤكد أن تكون السنة البرلمانية الجديدة حافلة بالتجاذبات السياسية وساخنة في ظلّ هذا الجدل القائم حول تلك الوثيقة.
«مناورات سياسية»
المساواة في الميراث هو مقترح قديم متجدّد منذ أكثر من سنة،عندما تعالت أصوات المنظمات والجمعيات النسائية المطالبة بالمساواة ين الجنسين ولكن اليوم تم تناوله بأكثر جدّية خاصة بعد صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة،المبادرة التي ستوجهها رئاسة الجمهورية إلى مجلس نواب الشعب قريبا ستفتح باب النقاش على مصراعيه بين مختلف الكتل النيابية خاصة في ظلّ تباين المواقف فكلّ يرى الأمر من زاوية مختلفة وله قراءة معينة في الموضوع،بالرّغم من أن رئيس الجمهورية أعلن أن المبادرة تتضمن نظامين يمكن للمورث أن يختار بينهما فإن هناك من يراها تعديّا على الدّين،هنا علّق محمد صالح بن عيسى أستاذ القانون العام والعميد السابق لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس فقال: «المبادرة الرئاسية المتعلقة بالمساواة في الميراث تعتبر خطوة هامة في تحقيق المزيد من المساواة بين الرجل و المرأة،كما كنّا نتمنى أن يقع التخلي عن إمكانية الاختيار بين النظامين ولكن يبدو أن هذه النقطة محلّ توافق في المرحلة الراهنة تجنبا لصدام سياسي مفتوح مع حزب النهضة» ،هذا وواصل بن عيسى حديثه عن مضمون خطاب رئيس الجمهورية الأخير فقال « المؤسف في خطاب الرئيس هو عدم الخوض في باب الحريات الفردية الذي لا يقل أهمية عن باب المساواة،فلعلّ هذا الصمت يدخل في خانة المناورات السياسية وهو ما لا يتناغم مع انخراط تونس في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وما كنا نتمناه أيضا هو أن يؤكد رئيس الجمهورية على أهمية المعاهدات الدولية داخل المنظومة القانونية التونسية كما قام بذلك بالنسبة لأهمية الدستور».
«لا لتشخيص المسألة»
ما تعرضت له بشرى بالحاج حميدة رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة لاقى ردود أفعال مختلفة حيث هناك من اعتبر أن حملة التشويه والتكفير التي تعرّضت لها بن حميدة تعدّ من باب الجرم لأن المسألة تتعدى رئيسة اللجنة ومن معها فالأمر يتعلق بفكرة وليس بأشخاص،في هذا السياق علّق محمد صالح بن عيسى فقال « في الحقيقة كنا ننتظر موقفا واضحا و صارما إزاء حملات التشويه و التكفير التي طالت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة و أعضاءها وتحميل كل طرف لمسؤولياته القانونية والسياسية»وأضاف محدثنا «لا شك أن منح الأوسمة لأعضاء اللجنة هو شهادة تقدير و حركة تكريمية لا يستهان بهما ولكن قضية التكفير والتهديد بالقتل تتجاوز أعضاء اللجنة لأنها تهم ركنا أساسيا من أركان العيش المشترك في كنف السلم الاجتماعي والحرية وهو في رأيي ركن حيوي في ترسيخ الديمقراطية،كما أن الأمر لا يتعلق بالتشخيص لأن المسألة تتجاوز أعضاء اللجنة و اللجنة في حدّ ذاتها،بل تتعلق بحرية الرأي و المعتقد وحرية الضمير وهي حريات ضمنها الدستور للجميع وتهم في الأخير التنوع الفكري و العقائدي الذي تسهر الدولة على حمايته وهو من أوكد واجباتها التي إذا أخلت بها فهي تفقد مشروعيتها».