فالمرأة نصف المجتمع وشريك الرّجل في معترك الحياة بكلّ تفاصيلها بداية من المنزل فهي التي تتحمّل جزءا كبيرا من مسؤولية البيت والأطفال ولكن هذا لا يثنيها عن أن تبدع و تتألق خارجه إذ نجدها فاعلة في كلّ القطاعات و تحتلّ مكانة هامة سواء في التعليم ،في السياسة وكذلك القضاء ،فعدد النساء القاضيات ما انفكّ يتطور شيئا فشيئا في تونس وهو ما يؤكّد على أن المرأة التونسية تسعى إلى إثبات وجودها في السلك القضائي لتكون شريكا في إقامة العدل والدفاع عن استقلالية القضاء وإصلاح المنظومة القضائية ككلّ،من جهة أخرى هناك عديد العوامل تمثّل اليوم عائقا إن صحّت العبارة في طريق المرأة لمواصلة مشوارها نحو الأفضل حتى نجدها ولمَ لا في مواقع القرار، اليوم وبمناسبة هذا العيد اخترنا تسليط الضوء على المرأة القاضية في تونس و ما تستحقه من مساندة ودعم لتحقيق الحلم وذلك من خلال هذا الحوار مع السيدة سعيدة الشبيلي رئيسة جمعية القاضيات التونسيات.
• في االبداية من هي سعيدة الشبيلي؟
سعيدة الشبيلي هي قاضية دخلت معترك الحياة القضائية منذ مارس 1988 واليوم تتقلّد منصبا مهم كرئيسة للمحكمة الابتدائية بسوسة 2 ،كما كان لها شرف رئاسة جمعية القاضيات التونسيات وهي مولود حديث العهد ضمن جدول الجمعيات والهياكل القضائية حيث تم إنشاؤها في أكتوبر 2016 كأول جمعية نسائية قضائية في تونس باعتبار خصوصية المرأة القاضية وهي فكرة إستوحيناها من الجمعية الدولية للقاضيات وذلك على إثر مشاركة زميلاتنا بمؤتمرها الذي انعقد في شهر ماي 2016.اليوم لدينا 300 منخرط .
• ما الهدف من إرساء هذه الجمعية؟
في الحقيقة تظافرت العديد من الأسباب التي جعلتنا نتمسك بفكرة تأسيس جمعية القاضيات التونسيات من أهمها فك العزلة التي تعيشها القاضية التونسية،تطوير سبل التواصل بين قاضيات تونس و مختلف القاضيات بالعالم،المساهمة في تعزيز دور المرأة القاضية في القضاء، تشجيع الحكومة على دعم المرأة القاضية و الحث على جعلها ممثلة على جميع المستويات بالمحاكم سواء كانت إقليمية أو دولية ،المساهمة في تطوير استقلالية القضاء و مبادئ دولة القانون طبقا للمعايير الدولية .
• بلغة الأرقام كم قاضية لدينا في تونس وتمثيليتهن في مواقع القرار؟
العدد الجملي للقضاة في تونس بلغ اليوم طبقا لآخر الإحصائيات 2250 قاضيا من بينهم 980 امرأة قاضية أي بنسبة ناهزت 48 بالمائة بين الأصناف القضائية الثلاث مالي،عدلي،وإداري ولكن المؤشر الايجابي هو أن هذه النسبة قريبا ستصبح 50 ٪ خاصة بعد تخرّج 200 ملحق قضائي جدد. أما عن وجود نساء قاضيات في مناصب عليا كرئيسات محاكم أو وكيلات عامات فالنسبة تعتبر ضئيلة جدّا إذ لدينا وكيلة عامة وحيدة وهي رفيعة نوار في محكمة بنزرت،بالإضافة إلى تسع رئيسات محاكم ابتدائية فقط.
• ماهي الأسباب وما مدى مساهمة المرأة في ذلك؟
المسالة وقبل كل شيء هي مسألة عقلية فلا بد من النظر إلى المرأة كنوع اجتماعي وضرورة تمكينها وإدماجها في التنمية بكل القطاعات بما فيها القضاء،المرأة التونسية ورغم ريادتها في عديد المجالات و خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان و حقوق المرأة و الفئات الضعيفة والمهمشة فقد تخلفت عن الركب الدولي فيما يتعلق بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في مجال العدالة و اتسمت خطواتها بالبطء و التردد مما جعل بلدانا مجاورة و بعيدة تتفوق و تتجاوزنا بمراحل كالمكسيك و النيجر و المغرب و غيرها...وفي هذا الإطار قدّمنا مذكّرة لوزارة العدل بوصفها وزارة سيادة وبوصف مشمولاتها تتقاطع مع أهمّ المسائل المحورية للإصلاح ودعوناها للعمل على ضرورة إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في إصلاح قطاع العدالة و ما يفرضه ذلك من وضع خطة قطاعية في الغرض تشمل تصوّرا استراتيجيا و عمليّا لجملة المحاور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار. ولكن من جهة أخرى لا بد من إعادة توزيع الأدوار فعلى الرّجل أن يتحمّل جزءا من المسؤولية في المنزل حتى يخفف العبء على المرأة لتلتفت أكثر لعملها وتجد الوقت لمزيد التألق وفرض نفسها كنوع اجتماعي له دور كبير في المسار الديمقراطي ككل وفي القضاء بصفة خاصة وعلى المرأة أيضا أن تدافع عن مكانتها فلم لا نجد إمرأة قاضية في منصب وزيرة عدل مثلا.
• صورة المرأة القاضية في الخارج؟
يمكن القول أن المرأة التونسية كقاضية تحظى بمكانة هامة في الخارج وذلك استنتجته شخصيا من خلال زيارتي لعديد البلدان من بينها الباكستان والأرجنتين للتعريف بتجربة القاضيات التونسيات هناك ولكن يمكننا فعل ما هو أفضل بكثير بإتباع استراتيجيا ناجعة من خلال العمل وتحسين الأداء والثقة بالنفس والتقدّم ،فنحن هنا لتحقيق العدالة والمساهمة في الانتقال الديمقراطي وإصلاح المنظومة القضائية.
• ماذا عن الترسانة القانونية الخاصة بالمرأة التونسية؟
القوانين موجودة ولا يوجد إشكال على هذا المستوى إذ نذكر من بين التشريعات التي فيها خصوصية المرأة قانون منع الاتجار بالبشر،قانون مناهضة التعذيب وقانون مناهضة العنف ضدّ المرأة الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا وهو يعتبر مكسبا كبيرا للمرأة التونسية حتى تدافع عن نفسها وتتقدّم نحو الأفضل ولكن الإشكال يكمن في تطبيق هذه القوانين والعوائق التي تواجهها المرأة عند لجوئها للقانون كغياب ثقافة النوع الاجتماعي لدى الكثير من الرجال،فالمسألة هنا توعوية بحتة إذ لا بد من النظر إلى المرأة كإنسان قبل كلّ شيء.
• اليوم هناك تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة يثير الجدل؟
في الحقيقة ما نراه اليوم من جدل حول هذا التقرير وغيره لا يجدي نفعا بل لا بد من وضع كلّ ما من شأنه أن يمثل إشكالا على طاولة الحوار وأن تكون لدينا ثقافة الإصغاء للرأي والرأي المخالف من اجل الوصول إلى رؤية واضحة تخدم مصلحة البلاد والابتعاد عن الجدل العقيم، فالمرأة هي موضوع الدولة، ولا بدّ من الوعي بأن المرأة جزء كبير من تقدّم البلاد والمرأة القاضية بصفة خاصة أساس العدالة ،القوانين جعلت لتحسين الوضع وفق ما تتطلبه حاجيات البلاد،فلا بد من وضع النفس في موضع المسؤولية والبحث عن الحلول اللازمة.
• تعليقكم على ما تتعرض له رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة من تشويه وتهديد؟
المسألة ليست شخصية ،ولا نهاجم الأشخاص من أجل فكرة بل الأسلم أن نضع تلك الأفكار على طاولة النقاش وكل من موضعه يساهم في دعمها وفي إثرائها من اجل الخروج بنتيجة فلا لشخصنة المسألة لأن التقرير ليس في شخص بشرى بالحاج حميدة ولا غيرها وبالتالي لا بد من التحلي بروح النقاش وأن ننظر إلى ما يخدم مصلحة البلاد وذلك بمناقشة الفكرة وإيجاد الحلّ، فلماذا لا يفتح باب الحوار المسدود ويتم تنظيم حوار وطني تلتقي فيه كلّ الأطراف المتداخلة بداية من اللجنة التي أعدت التقرير واللجان الأخرى وصولا إلى المجتمع المدني وغيرهم لتبادل الأفكار والمواقف لتتكون رؤية تشاركية وواضحة.
• كلمة أخيرة أو رسالتك للمرأة التونسية عامة وللقاضية بصفة خاصة؟
في البداية أهنئ المرأة أينما كانت بعيدها، وادعو المرأة التونسية ككلّ والقاضيات بصفة خاصة إلى الدفاع بكلّ شراسة عن مكانتها في المجتمع وتدعيمها بالجرأة والاندماج حتى تتألق أكثر ونجدها بتمثيلية عالية في مواقع القرار (رئيسة محكمة،وكيلة عامة ،وزيرة...)،من جهة أخرى لا بدّ أن يدعمها الرّجل من خلال التخلي عن عقلية أن المرأة لا يمكنها تقلد مثل هذه المناصب و لا بد أيضا من الاعتراف بها كنوع اجتماعي ويستطيع الوقوف ندا للندّ مع الرجل في كل القطاعات بما فيها القضاء.