على خلفية حادثة المحكمة الابتدائية بتونس: حرب الاتهامات بين القضاء والمحاماة تعود من جديد

عاد فتيل الصراع بين القضاء والمحاماة للاشتعال من جديد بعد هدنة لم تدم كثيرا حيث أثارت حادثة المحكمة الابتدائية بتونس جدلا واسعا

بين نقابة القضاة التونسيين التي تقول بأن قلم التحقيق بالمكتب 17 بالمحكمة سالفة الذكر تعرّض إلى اعتداء وهرسلة من قبل عدد من المحامين ،في المقابل تلقي جمعية المحامين الشبان المسؤولية في ملعب قلم التحقيق وتقول بأنه هو من اعتدى على المحامين في مكتبه أثناء مباشرتهم لعملهم،اختلفت الروايات ولكن من الواضح ان الانشقاق والقطيعة بين القضاة والمحامين تظهر أعراضهما مع كلّ واقعة مما جعل هذا الملف يطرح العديد من الإشكاليات التي لا بد أن توضع على طاولة النقاش بين الهياكل المهنية من جهة ووزارة الإشراف من جهة أخرى لإيجاد الحلول الجذرية وليست الترقيعية التي يظهر خورها في كلّ مرّة.

حالة التوتر والاحتقان بين بعض القضاة وبعض المحامين ولئن تزامنت مع العطلة السنوية للمحاكم فإنها تؤثّر حتما على حسن سير المرفق ككل وعلى العلاقة بين شقي العدالة الذين من المفترض أن يكونا في صف واحد من اجل تحقيق العدل.هذا المشهد يذكرنا بسيناريو 2015 عندما اندلعت معركة حامية الوطيس بين القضاة والمحامين وصلت حدّ الإضراب.

من المذنب؟
سؤال يطرح ما إن نطلع على حرب البيانات التي دارت مؤخرا بين نقابة القضاة من جهة وجمعية المحامين الشبان من جهة أخرى حيث اعتبرت أن احد منظوريها وهو قاضي التحقيق بالمكتب 17 بالمحكمة الابتدائية بتونس تعرّض إلى الهرسلة وجملة من التجاوزات من قبل عدد من المحامين وقد اطلعت على تسجيلات في الغرض واستمعت أيضا إلى شهادة القاضي المعني بالأمر،وأمام هذه الوضعية نبهت نقابة القضاة مما أسمته خطورة نزيف التعدي على السلطة القضائية ومحاولة المس من حرمة القضاة وهيبة القضاء،هذا وأدانت النقابة الواقعة واعتبرتها سعيا من قبل المحامين إلى التنفّذ والتموقع بكل الطرق وتحقيق عدالة على المقاس مذكّرة بسلسلة من الوقائع المشابهة على حدّ تعبير البيان بكل من محكمة المهدية،توزر،القيروان،زغوان وغيرها ووصفتها بأنها تصب في خانة الخروج عن أخلاقيات التعامل القضائي وتعطيل المرفق.من جانب آخر نبهت النقابة من خطورة بقاء الفصلين 46 و47 من مرسوم المحاماة نظرا لسوء توظيفهم وخلق حصانة مطلقة وتشجيعا لسياسة الانفلات وفق تعبير نص البيان.

جمعية المحامين الشبان ترد
من جهتها اعتبرت جمعية المحامين الشبان أن المحامين هم المتضررون من هذه الحادثة باعتبارهم تعرضوا إلى ما أسمته هرسلة أثناء أداء واجبهم المهني وهو ما اعتبرته مساسا بحق الدفاع ،هذا واتهمت الجمعية نقابة القضاة بتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام حسب الرواية التي سردتها عن الواقعة مستهجنة (أي الجمعية) دعوة نقابة القضاة إلى إلغاء الفصلين 46 و47 من مرسوم المحاماة معتبرة إياهما ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة،هذا ونبهت جمعية المحامين الشبان مما اعتبرته سياسة التهديد والوعيد و التعسف في استعمال السلطة لتركيع المحاماة

تهديد بالتصعيد من الطرفين
بقطع النظر عن الواقعة وحقيقة ما حدث داخل مكتب التحقيق 17 بالمحكمة الابتدائية بتونس فإن الإشكال أعمق بكثير لأنه يتعلق بشبه قطيعة واحتقان متواصل بين قطاعين يعتبران قوام مرفق العدالة،وضع لا بد له من تدخل عاجل لوقف نزيف الخلافات وحقيقة العلاقة الهشة التي تظهر مع كل حادثة،فعلى الهياكل المهنية وكذلك وزارة الإشراف فتح هذا الملف والبحث عن حلول جذرية ونهائية لهذه الأزمة المتجددة حتى لا تتحول إلى معضلة يستحال علاجها،في هذا السياق حملت نقابة القضاة مسؤولية ما وقع إلى الهيئة الوطنية للمحامين مستنكرة صمتها أمام تكرار مثل هذه الممارسات،هذا وأقرت النقابة صعوبة تواصل العمل القضائي في ظل هذه الممارسات وبقائها دون تتبع داعية إلى ضرورة سنّ نصّ تشريعي لزجر مثل هذه التصرفات تماهيا مع الفصل 109 من الدستور الذي يحجّر كل تعدي على القضاء ويضمن علوية القانون وحرمة السلطة القضائية وفق تعبير البيان،من جهتها رمت جمعية المحامين الشبان المسؤولية في ملعب المجلس الأعلى للقضاء ودعته إلى تتبع المخالفين من منظوريه تأديبيا حتى لا تتكرر مثل هذه الممارسات. هذا وهدّد الطرفان بالتصعيد فهناك من هدّد بمقاطعة العودة القضائية وآخر عبر عن استعداده لخوض جميع الأشكال النضالية، ليبقى المتضرر الأول والأخير هو المتقاضي ،فمتى يقف هذا النزيف ومن يوقفه؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115