سؤال خلنا أن هيئة الحقيقة والكرامة من خلال جلسة الاستماع العلنية التي عقدتها بتاريخ 24 نوفمبر الجاري أنها ستجيب عنه من خلال شهادات الضحايا وكانت الانتظارات كبيرة لمعرفة حقيقة ما حصل يومها تروى على لسان من عاشوها ومن أصيبوا إصابات تسببت لهم في نسب سقوط متفاوتة الخطورة ،ولكن ما سمعناه وشاهدناه كان دون المأمول والمنتظر بل وصادما في نظر الكثيرين ،إذ اختلفت الانتقادات لهيئة الحقيقة والكرامة وهناك حديث عن مسرحية هزيلة الإخراج ،كما رأى البعض الآخر أن الجلسات العلنية كانت مناسبة لشيطنة الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة والمجتمع المدني واصطفت الهيئة مع الجلاد ضدّ الضحية. أمام كلّ هذه الردود رصدنا وجهة نظر الهيئة من خلال الحديث مع ابتهال عبد اللطيف احد أعضائها.
بلغة الأرقام فقد تلقت هيئة الحقيقة والكرامة 22 ملف من ضحايا أحداث الرّش بسليانة التي تعود أطوارها إلى سنة 2012 من بينها 16 طلبوا التحكيم والمصالحة، كما تلقت الهيئة أيضا 15 ملف منطقة ضحية بسليانة فقط وفق ما جاء في التقرير المسجل الذي بثّته هذه الأخيرة خلال الجلسة العلنية الخاصة بملف الرّش والتي استمعت فيها الهيئة إلى ضحايا ليس لديهم ملفات لديها ولا لدى المحكمة وهو ما أثار أيضا جدلا كبيرا.
«أولوية مقصودة»
سبق لهيئة الحقيقة والكرامة أن دخلت في جدل مع الإدارة العامة للقضاء العسكري حول ملفات عد من ضحايا أحداث الرّش الذين تقدّموا بمطالب تحكيم ومصالحة ورأت الهيئة انه على المحكمة العسكرية الدائمة بالكاف التخلي عن تلك القضايا لأن مطلب التحكيم والمصالحة يسقط التتبع،من جهته رأى القضاء العسكري أن عقد جلسات علنية لضحايا الرّش فيه مسّ من سرية الأبحاث ،ولكن الغريب في الأمر أن كلّ الضحايا الذين استمعنا إليهم في الشهادات العلنية ليس لديهم ملف لدى القضاء ولا ملف لدى الهيئة نفسها ،نقطة أثارت عديد نقاط الاستفهام لماذا هذه الانتقائية المفضوحة؟ وماهي المعايير التي تم اعتمادها في اختيار الشهادات خاصة وان كل الشهادات أصحابها القوا باللائمة على الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة والمجتمع المدني ،هنا علّقت ابتهال عبد اللطيف عضو بالهيئة المعنية فقالت «من أهم المعايير التي اعتمدت في اختيار الشهادات هو معيار القدرة على كشف الحقيقة وقد أعطينا أولوية لضحايا لم يسمعهم أحد ولم يبلغوا صوتهم من قبل كذلك أعطينا أولوية لمن حقهم ضائع ولم تصل ملفاتهم للهيئة ولا لأجهزة الدولة وطالبنا الدولة بالعمل على إيجاد حلول لهم من جهة أخرى الهيئة لها الحق في الاستماع إليهم كشهود متضررين»هذا وأضافت عبد اللطيف بالقول «إيداع الملف بالهيئة يمنح الضحية الحق في جبر الضرر لكن لا يمنعه من كشف الحقيقة وبالتالي لسنا في معركة مع القضاء العسكري».
« لا نمارس وصاية على أصحاب الشهادات»
صرّحت ابتهال عبد اللطيف عضو هيئة الحقيقة والكرامة أن هناك العديد من الضحايا تعرضوا لضغوطات حتى لا يقدموا شهاداتهم بالجلسة العلنية دون أن تدلي بأكثر تفاصيل حول مصدر تلك الضغوطات وقالت «لا يمكن في الوقت الحالي الإفصاح عن الجهة التي مارست ضغوطات على عدد من الضحايا لإقناعهم بعدم الإدلاء بشهاداتهم لأننا كهيئة مقيدين بواجب التحفظ ولكن سيتم كشف ذلك في التقرير الختامي لها والذي سيكون في ختام أعمال الهيئة إما سنة 2018 أو 2019 حسب مقتضيات قانون العدالة الانتقالية»
وفي ردّها على المواقف التي اتجهت نحو اعتبار أن الهيئة أرادت من خلال الجلسة العلنية لعدد من المتضررين من الرّش الانتصار للجلاد على حساب الضحية كما أن هناك من رأى فيها شيطنة للاتحاد الجهوي للشغل بسليانة وللمجتمع المدني قالت محدثتنا «هذا غير صحيح عملنا كان متوازنا وقد قدمنا كل وجهات النظر وكل مسؤول عن شهادته كما أن شهادات الضحايا كانت بليغة أما بخصوص الاتحاد فنحن لا نمارس وصاية على الشهود ولا نتدخل في شهادات الضحايا مطلقا وقد سبق أن انتقد الضحايا عديد الأطراف في المباشر ولا ولم نتدخل» .
«صدمة»
عودة الى نقطة الشهادات والانتقائية الجلية التي انطبعت بها وبحثا في ما صرّحت به ابتهال عبد اللطيف بان هناك ضغوطات مورست على عدد من الضحايا حتى لا يدلوا بشهاداتهم فإن الذهن بصفة آلية يتجه نحو الاتحاد الجهوي للشغل أو هيئة الدفاع بالنسبة للضحايا الذين تقدموا بقضايا في الغرض ، هنا تحدثنا مع ليلى الحداد بصفتها لسان دفاع عدد من الضحايا اذ قالت «الجلسة العلنية كانت مهينة للعائلات ومثلت صدمة بالنسبة لي في الحقيقة اذ غيّب فيها المسار القضائي وسماع الضحايا» وفي تعليق على مسألة الضغوطات قالت الحداد «انا شخصيا لم اطلب ذلك تعاونت معهم بتقديم مآل الملف القضائي وقدمت لهم نسخة من قرار ختم البحث للمحكمة العسكرية والذي فيه عرض الجرحى على الفحص الطبي ونسب السقوط التي من خلالها تم توجيه الإدانة للأمنيين ولكن الهيئة في شهاداتها اعتمدت على ضحايا جانبيين لم يقدموا ملفاتهم للقضاء ولم تكن إصاباتهم بليغة مما دفعهم الى شيطنة الاتحاد الجهوي للشغل والمجتمع المدني فالأمر مقصود لأن تقديم المتورطين في الأحداث في تسجيل وعدم حضورهم وحتى تدخلهم اندرج في إطار تحميل المسؤولية للاتحاد وقوى سياسية معارضة هو نوع من التبييض أمام شهادات مرتبكة غير مقنعة».