وانطلاق واستقبال لهذا النوع من الجرائم ،من الناحية التشريعية كان التعامل القضائي مع جرائم الاتجار بالأشخاص يعتمد على المجلة الجزائية ولكن اليوم بعد الثورة تم سنّ قانون خاص وانبثقت عنه الهيئة الوطنية لمنع الاتجار بالأشخاص وهي خطوة وصفت بالايجابية جدّا ومن شأنها أن تضمن حق الضحية التي كانت سابقا تحاسب على أنها مذنبة. الهيئة المذكورة تعمل في ظل عدّة صعوبات أبرزها غياب المقّر الذي يعتبر نقطة العبور إلى مراحل أكثر أهمية في مجال مكافحة ظاهرة الاتجار بالأشخاص ،في هذه النقطة وغيرها تحدثنا مع روضة العبيدي قاضية ورئيسة الهيئة سالفة الذكر.
القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 مؤرخ في 3 أوت 2016 الذي يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته مرّت أكثر من سنة على سنّه ودخوله حيّز النفاذ وقد عرّف جريمة الاتجار بالبشر على أنها استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيا كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله. ويشمل الاستغلال استغلال بغاء الغير أو دعارته أو غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو التسول أو نزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأمشاج أو الأجنة أو جزء منها أو غيرها من أشكال الاستغلال الأخرى.
الظاهرة في أرقام
الاتجار بالأشخاص هو عبارة عن عدّة جرائم ترتكب في حق الإنسانية وضحاياها أغلبهم نساء وأطفال إذ نجد الاستغلال الاقتصادي(عملة المنازل ،الاستغلال الجنسي) بالإضافة إلى شكل آخر من أشكال الاتجار وهو وضع العبودية و ما يعبّر عنه بإيصال الدين والقائمة تطول ،السؤال هنا أين تونس من كلّ ذلك خاصة وأن الإحصائيات الموجودة لا تمثل الرقم الصحيح بخصوص هذه الظاهرة وهي إحصائيات تبقى نسبية لتقاطع عديد الأسباب،هنا قالت روضة العبيدي في تصريح لـ«المغرب» بأن «تونس يوجد فيها كل أشكال الاتجار بالأشخاص باستثناء الاتجار في الأعضاء البشرية ،أما بالنسبة للأرقام فلا يمكن الحديث عن إحصائيات واضحة بل نتحدث فقط عن إشعارات وردت على الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص وقد بلغت 50 إشعارا تقريبا عدد قليل منها احيل على القضاء علما وأن الملفات التي لا يرغب أصحابها في التتبع القضائي للمجرم فإنه بالتنسيق مع الجهات القضائية يقع فتح بحث تحقيقي لتتبع الموضوع لأنه يمكن أن يكشف عن خيوط لخلايا وشبكات اتجار بالبشر ،على سبيل المثال من بين الحالات التي تدخلت فيها الهيئة هي قضية بنات تونسيات في بلجيكيا وقع استغلالهن بطريقة مهينة ومسّت كرامتهن ولكن القضاء قال كلمته وتمت محاسبة الجناة».هذا وأضافت محدثتنا انه في 2016 وقبل سنّ القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالأشخاص هناك عدّة حالات تعهد بها القضاء ولو وجدت بعد صدور القانون لكانت تصنّف ضمن جرائم الاتجار بالبشر على غرار استغلال دعارة الغير ،تحويل وجهة ...وقد وصلت تلك الحالات بلغة الأرقام 642 ملف،كما أن الإحصائيات لا تترجم الواقع».
ماذا عن التشريع؟
القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المؤرخ في 3 اوت من نفس السنة والمتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ولئن لا يزال غير معروف بالنسبة لعديد الأطراف إلا أنه لاقى استحسان أطراف وطنية ودولية ،في هذا السياق قالت روضة العبيدي رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص إنه «وبشهادة عديد الخبراء الدوليين فإن قانون منع الاتجار بالبشر من أحسن القوانين على الإطلاق وبالتالي لا وجود لإشكالات على المستوى التشريعي ،علما وانه وقبل سنّ هذا القانون لا وجود لفراغ تشريعي إذ كانت تعتمد المجلة الجزائية».
أعمال الهيئة
تم تركيز الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص بتاريخ 8 فيفري 2017 إذ تعتبر حديثة الولادة وعمرها لا يتجاوز التسعة أشهروقد انطلقت في أعمالها منذ البداية من خلال تنظيم دورات تكوينية للتعريف بالقانون الجديد وإعداد أدلة في الغرض باللغتين الفرنسية والعربية بالإضافة إلى إعداد استراتيجية عمل ،هنا أوضحت روضة العبيدي بالقول «منذ تركيز الهيئة قامت بتكوين عديد الأطراف المتداخلة في مكافحة ظاهرة الاتجار بالأشخاص على غرار الاعلاميين والقضاة والأمنيين وقد بلغ عدد المتكونين إلى حدّ الآن 1000 متكوّن ولكن هذا غير كافي ولا بد من مزيد التعريف بالقانون ،وللغرض أعدّ أعضاء الهيئة دليلا باللغة الفرنسية ومن المنتظر إعداد دليلين آخرين باللغة العربية ،كما نشتغل حاليا على إعداد آلية الإحالة أي كيفية التصرّف مع الحالات والإشعارات ،ومن المنتظر أن نلتقي بالإعلام ومنظمات المجتمع المدني لطرح الاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالأشخاص التي أعدتها الهيئة وذلك قبل عرضها على رئاسة الحكومة».
هيئة بلا مقرّ
إن النتائج التي حقّقتها الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص منذ ميلاها إلى اليوم تعتبر ايجابية جدّا فقد تم إيواء كلّ من اتصل بالهيئة والعناية به بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية وعدد من الجمعيات وكذلك وزارة الصحة ويمكن أن تكون تلك النتائج أفضل بكثير على جميع المستويات وحتى الإحصائيات عندما يصبح لهذا الهيكل مقرّ الأمر الذي تحّول اليوم إلى عائق كبير في طريقها ،هنا علّقت روضة العبيدي بصفتها رئيسة للهيئة سالفة الذكر فقالت «ما وصلت إليه الهيئة اليوم يمكن وصفه بالمعجزة خاصة وأننا نعمل بلا مقّر اذ تعقد الجلسات في وزارة العدل وبالتالي مثّلت هذه النقطة إشكالا وعثرة في طريق الهيئة التي يمكن أن تحقّق الأفضل بوجود المقر وستحلّ عديد الإشكالات الأخرى وهناك حملات تحسيسية جاهزة ولكن لم نتمكن من إطلاقها لهذا السبب لأنه لا بد من الإعلان عن أرقام خضراء للاتصال والإشعار عن حالات الاتجار أو بالاتصال على عين المكان وهذا غير متوفر» هذا وأضافت العبيدي «من المنتظر أن يحلّ مشكل المقرّ في الأيام القادمة ،موفى الشهر الحالي على أقصى تقدير وهناك مقترحات سيتم اختيار أحدها بما يتماشى ومتطلبات الهيئة الضرورية».
«فريق متماسك ومتجانس»
تتكون الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص من 16 عضوا موزعة بين اختصاصات مختلفة فكل الوزارات متداخلة من بينها وزارة الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية بالإضافة إلى ممثل عن الإعلام وممثلين عن المجتمع المدني وممثل عن حقوق الإنسان ،وفي هذا السياق أكدت روضة العبيدي رئيسة الهيئة أن الفريق يعمل في تجانس تام وأن ممثلي الوزارات هم معينون من قبل الوزراء وبالتالي يمثلونهم وبالتالي هو من يتخذ القرار ولا ننتظر الرجوع الى الوزارة المعنية في مسالة ما كما أن الجميع لديه قناعة بضرورة مكافحة هذه الظاهرة وان تستعيد الضحية وضعيتها كضحية من خلال القانون الجديد».