اعتبرت جمعية القضاة التوتنسيين انّ إقرار مشروع قانون المصالحة الادارية خارج منظومة العدالة الانتقالية يمثل تعديا على اختصاص القضاء في تطبيق القانون طبق الدستور والقوانين القائمة من خلال ممارسة سلطات التتبع والتحقيق والمحاكمة مع كل ما تقتضيه تلك المراحل من تكييف للوقائع وتأويل للنصوص.
وأوضحت في بيان لها أمس الثلاثاء انّ مشروع القانون المذكور قد جاء مخالفا لأحكام الفصلين 114 من الدستور، وذلك نظرا لعدم انتظار رأي المجلس الأعلى للقضاء في مشروع القانون والفصل 110 الذي يمنع إحداث محاكم او سن إجراءات استثنائية من شانها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة من خلال إحداث هيئة ترفع لديها الدعاوى المنصوص عليها بذات المشروع في فصله الخامس.
ذلك إضافة الى خرق أحكام الفصل 148 من الأحكام الانتقالية للدستور فيما اقتضته من التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية باعتبار أن ما أقره مشروع القانون من عدم مؤاخذة جزائية للموظفين العموميين وأشباههم على معنى الفصلين 82 و 96 من المجلة الجزائية عن الأفعال المضرة بالإدارة ومن عفو عام على الذين صدرت بشأنهم أحكام اتصل بها القضاء سيؤدي حتما الى طمس الحقائق وتجاوز مسارات العدالة الانتقالية والتخلي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم توصلا للمصالحة وإصلاح المؤسسات لضمان عدم تكرار الأفعال المضرة بالإدارة وبالمال العام على حدّ تعبيرها .
كما أكدت جمعية القضاة انّ مشروع قانون المصالحة قد خالف كذلك شروط العفو العام المنصوص عليها بالفصل 377 من مجلة الإجراءات الجزائية وذلك بما أقره من أن العفو العام موضوع مشروع القانون يشمل مبالغ جبر الضرر المادي والمعنوي المسلط على الموظفين العموميين وأشباههم المحكوم بها لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمنشآت العمومية والحال أن الفقرة الأخيرة من الفصل 377 من مجلة الإجراءات الجزائية صريحة في إقرار أن مبدأ العفو العام لا يمس بحقوق القائم بالحق الشخصي الأمر الذي سينجر عنه حرمان الدولة من تعويض أضرارها واستخلاص مبالغ مالية هامة ثبت استحقاقها لها بموجب أحكام باتة كانت ستدخل لخزينة الدولة على حدّ تعبيرها.
واعتبرت أن تمتيع الموظفين العموميين وأشباههم الصادرة ضدهم أحكام باتة أثبتت ارتكابهم لجرائم اعتداء على المال العام بموجب الفصل الثالث من مشروع القانون يدحض تقديم هذا المشروع على أنه ينطبق فقط على الموظفين العموميين وأشباههم الذين لم يتحصلوا على منافع شخصية والترويج لذلك.
من جهة أخرى عبرت الجمعية عن رفضها لمشروع قانون المصالحة الإدارية لجملة الخروقات الدستورية والقانونية التي شابته ولقيامه على تصوّر يتعارض مع موقع القضاء كسلطة مستقلة تختص بتطبيق القانون وممارسة سلطات التتبع والتحقيق وتكييف الأفعال المجرّمة وتأويل النصوص القانونية والمحاكمة، ويتنافى مع ضرورة تقوية ودعم جهود الدفع للنهوض بدور المؤسسة القضائية. واعتبرت أنّ سن قانون المصالحة الإدارية فيما أقره من إجراءات عدم المؤاخذة والتدخل في سير القضاء بإيقاف التتبعات الجارية في ملفات ذات علاقة بشبهات الفساد والاعتداء على المال العام والإضرار بالإدارة وإلغاء الأحكام الباتة في جرائم الفساد الثابتة يخلق سياقا عاما متساهلا ومتسامحا مع جرائم الفساد المالي وانتهاك المال العام ولا يشجّع ولا يحفّز على تقوية دور القضاء في ردع تلك الجرائم باعتباره حامي حقوق المجموعة الوطنية و في منع نهب المال العام وعدم الاعتداء عليه.